عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في
الانضمام الي اسرة منتديات وليد الكعبه ع

سنتشرف
بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدى


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في
الانضمام الي اسرة منتديات وليد الكعبه ع

سنتشرف
بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة يوليو 20, 2007 3:53 am

(1)
عطر ملائكي
لذلك وافق الإمام الرضا(ع) على قبول ولاية العهد من المأمون العباسي , والتي لم تنته بقبول المأمون بهذا الحد من المكاسب الظاهرية , حتى أقدم في النهاية على دس السم خفية للإمام , مما عجل بوفاة الإمام في منطقة (سناباد) غريبا في 17 صفر من عام 203هـ , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين0

غادر السيد بقامته الفارعة منصة الحفل تاركا للصلوات أجواء الحفل تعبقها بأصوات تعلو ملعلعة بذكر محمد وآله ... العطر الملائكي ينفح الأنوف متطايرا من عبائته السوداء ... خطواته الوئيدة المتتابعة على أبسطة المسجد تنبئ بثقل ما يحمل هذا الجسد من صفاء روحي ... انفلت الحضور انفلات أشعة من مصباح ... هبوا واقفين على قاماتهم يهرعون لمصافحة السيد ...بجانب الجدار اتخذ السيد مكانا لوقوفه يقضي من مصافحة أحبائه وطرا ... ابتسامته الوادعة لا تفارق ثغره المشارف على لحيته المزينة بوقار الشيب
المتفرق في كثير من مساحتها0

تحلقت الأجساد حول السيد عقب جلوسه على فرش المسجد ...تحلقت أرواحهم قبل أجسادهم حول هالته النورانية الثاقبة ..يحنون لمحادثته والجلوس في مرمى نظراته الرؤوفة الرقيقة ...ولا يمل هو من ملأ أسئلتهم بإجابة شافية كافية وافية ...أخذت الاستفهامات تنحدر من أفواههم عن تفاصيل حياة الإمام الرضا وملابسات ولاية عهده0

أنهى السيد جلسته بانتصابه واقفا مستأذنا من الحضور في الذهاب ...ودع المتبقي من المتحلقين حوله بانفراج ابتسامته على آخرها ... لم تفارق الإبتسامة ثغره منذ جلوسه حتى القيام ,إنما كانت تتردد بين الراحة والإتساع حتى آخر مداها ...لا تفرغ كفه من يد حتى تملأها مصافحة أخرى كتصافح الفراشة بوريقات الزهر .

استقل سيارته المرسيدس تاركا العاصمة (المنامة) خلفه , لا يكاد يصل إلى أٌقصى الغرب من العاصمة إلا ويصل إلى (النعيم) مسقط رأسه...كانت تلك ليلة فات قبلها السبت , ليلة الحادي عشر من ذي القعدة , ليلة في مثل تاريخها وفي الزمن البعيد ولد الإمام علي بن موسى الرضا (ع)...أزمنة عبرت ساعات الأيام وتلاشت في دوامة النسيان ...ويبقى الرجال العظماء لا يقوى الزمن على الإقتراب من هالة شخوصهم ...ذلك الرضا بما تحمل شخصيته من ملكات روحية وعلمية كان قديسا وقف على هامة الزمن شامخا ينحر النسيان كلما اقترب من لألاء نوره 0

وها قد حل العام 1985م يحمل في أيامه صباحات مليئة بالمرارة والحرمان ...قلب السيد تأكله الحسرة على أبناء شعبه المحاطين بجلابيب الفقر والقهر ...وكل ذرة من جسده تذوب شفقة لما يعانيه المؤمنون المطاردون في وضح النهار وأمام صفحة وجه الشمس ...حاذى السيد بيت والده بسيارته , ترجل من السيارة ودخل البيت يسبقه شوق مضطرم بين حنايا صدره للقيا والده0

قبل غرة والده منحنيا على جبهته ...حياه بأرق تحية يفيض بها ابن بار بأب كفيف بذل ما بوسعه ليغدق على ابنه فيوض العلم الربانية ... كفه الشابة الطرية لا تفتىء تلازم معصم أبيه تقوده إلى أي حفل ومكان يقصده ... هو عينه ودليله , بحرارة صدقه في تنشئته أعطته الأقدار الإلهية ثمر جهده ابنا بارا تقيا ... البر بأبيه يخالط كريات دمه النقية الوجدان0

هناك في بيت والده كان ابنه محمد الطفل ذو العشرة أعوام وربيعاتها المبتهجة بدفء الأبوة المظلل على حياته بأسرها يرصد تفاصيل المحادثة الدافئة بين الجد الجالس بمقاربة الزاوية يعب من كوب الشاي الأحمر وابنه ...ابنه الجالس بجواره يرسل صوتا جهوريا رخيما لا تبارحه التأودة والهدوء ...مسائل فقهية لا يدركها الحفيد الصغير ...مصطلحات أصولية تصدر من كليهما ...أسماء علماء وفقهاء يرددانها في ذاكرة سمعه المتيقظة تسجل في مستقبلها الغائب كل قصاصة علم0

أنهى الجد كأس الشاي ولم يحل الحوار دون نهوض الإبن وتسلم الكأس من راحة كف والده بلطف يشبه اغفاءة مرت على جفن فداعبته وارسلت في أحداقه نوما قريرا0


أنزل الكأس في الإناء الكبير المعد لجمع كؤوس الشاي المستخدمة ...كانت بقية الشاي ونفاذها إيذانا بانتهاء حديث الليلة بينهما حين لا يعلمان ما يخفي لهما فجر الغد الجديد من تغيير لسيرة لقاءاتهما ... استأذن السيد من والده ولم تكن القبلة الأولى فوق غرته بأولى من الثانية في أولويات الإبن البار...طبع قبلته في رأس والده وشفتاه تختلجان ببطئهما في قبلة طويلة تلامس دفقا أبويا فياضا0

قبلته تنتهي من أدائها ويداه تباشران يدي أبيه ...اليمنى في يمناه واليسرى فوق يمناه ويسرى الأب فوق يسرى الإبن ...لكن احساسا موحشا تسرب إلى صدر الوالد قابضا على كفي ولده لزمن أطول مما اعتاد عليه في مثل حالة افتراقهما هذه...عينا السيد خاضعتان فوق تفاصيل وجه والده لعله يتلقى أمرا آخر منه...لحظات... بقيت الأكف تمزق الصمت بحديث أحرفه من لمس وسكون حيث الموعد بهما على مفترق مصائر0

افترقت الأيدي ولما تزل الأفئدة متعانقة متعلقة...رمق وجه الأب جهة قامة ابنه المديدة وتحننت شفتاه بثلاث كلمات تنقل في هجائيتها تهيبا وتوجسا وقلقا ... في حفظ الله قال ...انعطفت يد السيد الى ابنه فيها اشارة النهوض ...نهض ابنه محمد مغادرا الحجرة ... شرعت يده اليمنى تطوق يد ابنه محمد... طفل لازال يقارب العاشرة من عمره ...يصطحبه معه كثيرا ليودع في ذاكرته درسا عمليا من سيرته النيرة... غادرا منزل الجد راكبين السيارة .


كعادته لايترك السيد محادثة ابنه ملتمسا من الوقت المسروق من العمر في المسير منبرا يهاجم الصمت ليملأ الوقت الفارغ من (النعيم)إلى(عالي) موقع سكنه بما يفيد ابنه اليافع... (لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل السبت يوليو 21, 2007 9:32 pm

[2)
أي رجل كان


يده اليمنى قابضة على مقود السيارة واليسرى كذلك ...وهي بين دقائق خمس وأخرى تمتد بالأصبع المجاور للإبهام تثبت إطار النظارة البارزة حول عينيه...قال له : أنت الآن مقبل على مرحلة الرجولة والنضوج ...الثمرة مع اتمام مراحل نضوجها يكون دورها في التغذية جاهزا ...أنت كذلك يابني حين تكمل مرحلة نضوجك عليك واجب القيام بأعباء الرجولة ...الآن أنت كالوردة المتفتحة تتفتح أكمامها لبعث شذاها لما حولها ...

الآن أنت عليك الإهتمام للعائلة حين أغيب! ... تتغلغل الكلمات في فؤاد الطفل محمد يصاحبها نصل حاد يغور مع كل حرف ويبرز لينقل الآخر ...بجانب الرقة الساكنة في كلمات والده يجد صخبا يفرغ معاوله من حوله0

أذناه تصيخان السمع وتتلقفان ماتجود به الشجرة الطيبة من ثمار ...سألقي بثقل هذه العائلة عليك يابني...وأعلم أنك كفؤ لتحمل أعباءها ...ليست المرة الأولى التي يحادثه فيها ...لكنها المرة الأولى التي ينزع التفاءل من عينيه وينفض غبار الحيرة في طريقه ... وصايا ناصعة يجثم خلفها سواد داكن يجر في غلائله ضبابا وتعاسة0

الليل يلفع بأرديته السوداء الشوارع ...توقفت السيارة عند الإشارة الضوئية ...الشارع أجوف فارغ إلا من هذه المرسيدس الماثلة في الإنتظار...وكأن الشارع ألقى بمحتواه من السيارات في البحر المجاور ...الضوء الأحمر في الإشارة يثرثر قانيا في وجه الطفل محمد ... ولم يدم عمر الضوء الأحمر طويلا حتى انقضى مودعا ومخلفا الأصفر للحظات ...وانتعش الضوء الأخضر يعلن بدء الحياة في الشارع 0

وراحت سيارة السيد تنزع فتيل السكون في الشارع الموازي لمنتزه عذاري ...وكأن الشارع استغنى عن السيارات كلها بتلك المرسيدس وما تقل في أحشائها من رجل وأي رجل كان ...أحدقت عينا محمد في الصمت الجنائزي يحيط الشارع فأحدقت المخاوف بقلبه إحداق الليل على سوسنة آمنة في غصن رطيب 0

لم تتجاوز السرعة في المؤشر 80كيلومترا ...هذا ومحمد منصت لسيل أحاديث أبيه ...بينما انصاته تام عيناه رصدتا سيارة بيضاء كامنة على يمين الشارع ... بعد مرورهما تتبعتهما ...سرعتها تنقض خلفهما بإصرار مكابر...صارت تطارد سيارتهما أدنى من الظل0

السيارة البيضاء بمشاغبتها أجهضت حديث السيد العاطر ...كلما اتجه السيد بالسيارة منزويا إلى أقصى اليمين..إتجهوا جهة ما يتجه لتخرج السيارة عن مسارها ...كأن السبل ضاقت على أصحابها إلا من طريق يسلكه السيد ...عجيب أمر الإنسان تلك حكايته مع الشيطان كلما راغ عنه يمينا ولج الشيطان إلى جهة ما يميل يطالبه بالركون إليه...ويحظى بالنجاة المتقون ...كلما حاولوا باءت محاولاتهم بأمل تعيس وعادوا تلفحهم الخيبة0

بطول الطريق محاولاتهم جادة في إيقاع السيارة خارج مسارها ...خلو الشارع من السيارات الأخرى يتيح الفرصة على مصاريعها ... حين ينعطف السيد يسارا ضاغطا على دواسة البنزين لتجاوزهم كذلك هم يفعلون ...محمد هذا لم يشاهد أفلام المطاردات الأمريكية حينها ... لكنه رآها تلك الليلة في عين الواقع تلاحقه 0

خطف القدر لحظات وأحال الملاحقة إلى مأساة في ذاكرة الوطن ...حين حاول السيد تلافي السيارة البيضاء ذات النوايا السوداء... قاربت عجلات سيارته رصيف الشارع الأيسر ...عينا محمد دارتا في دوامة سحيقة ودوار لا إلى قرار...كانت السيارة بما فيها من قوة صنع ألمانية وثبات فوق سطح الشارع ...كانت تتقلب فوق الرصيف كأن يدا نزعت عجلاتها منها في لحظات أو أعطبتها ...أتمت السيارة البيضاء مهمتها الشيطانية حين استقرت السيارة ملقاة على وجهها فوق الرصيف وفي أحشائها غائبين عن الشعور ...تنزف الدماء منهما في شارع خليت مسافته بأكملها من عابرين0

الطفل محمد ارتطمت ثناياه بمقدمة السيارة الداخلية فتكسرت وغاب عن الوعي وحلقت روحه في خيال كئيب مخيف ...رأى في ما يرى النائم رجلين يترجلان من سيارة ...وجاههما مستوران بخرقتين سوداوين...امتدت يد أحدهما فتحت الباب بعجلة لافتة والآخر قبالة الباب الثاني يشاهده ودماؤه تتفرغ فوق ملابسه البيضاء...الأول برزت في يده قطعة حديد راحت يده تنهال بها على رأس السيد وهو في إغمائته الأخيرة ...ما عسى أن يكون هذا حلم أم حقيقة0

في أحشاء تلك الليلة راح الشيطان تداعبه الغبطة بانجاز حلم كبير ...وراح الليل يتحرك بطيئا ينفث ضجرا على القرى الخالدة في الرقاد المتقطع ... وفي أولى لحظات الفجر أفاقت القرى على حافة قبر يسلب ابتسامة فرحتها ... وأفاق محمد في حضن اليتم ووصايا والده طرية تتردد في آذانه...تقبل عليه الوجوه وتخاطبه ولا يجد في آذانه سوى الوصايا ...كأنها أعدت لرحيل أكيد0

أفاق الأب الكفيف على ثمرة احساسه الموحش توزع أشواكا بين أعضاء جسده المتعب الواهن ...هبط النبأ عليه يطفىء من عينيه ما تبقى من رؤية ويسلبه العين التي يبصر بها واليد التي يتناول بها ....للمرة الثانية تسلبه المقادير نظر عينه المتمثل في ابنه الفقيد ... الأشواك لا تأبه إن أصابت عضوا لأكثر من مرة 0

بكرت البلاد وأظفار الفاجعة تعد أحد ما لديها لتغمده في صدر الوطن الآمن...واستفاقت الشمس على أرض كل أبنائها عين دامعة وقلب يكتوي بلهيب المأساة ...فأرسلت الشمس من نسيج أشعتها حرارة لتجفف الدموع الفائضة ...ولكن هيهات لم تجف الدموع ...هي مد متصل ...كل قطرة لاتسقط حتى تنبلج أخرى في جفن آخر حزين 0

وشيعت الأرض الثكلى فتى عيناه قريرتان في كفنه المضمخ بعبق الشهادة الآخاذ..رأسه الراقد في القماشة البيضاء أجلى بياضا منها ...عيناه تنضحان بدمع مسترسل...الأرض تبكي له وهو يتأوه على الأرض وعلى مستقبل غامض يسير بأرضه إلى تيه بعيد مجهول ..

شيعت الأرض أملا حيا اقتلع الجناة ضجيج خفقانه من أوساطها ..الحجر الساقط في البحر يسكن ولا تسكن أثاره بعد السكون ..تبقى موجات سقوطه تشق المياه ..تتخذ من سطح البحر أقصى مساحة في الإمتداد ... وللحجر عودة ظافرة يهشم صنمية الإستبداد ويفتت الطين المكابر....(لها تتمة)
[/size]

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الإثنين يوليو 23, 2007 3:19 pm

(3)
الســـبت ثانية


أسابيع انقضت على رحيل السيد محاطا بغموض هلامي ومتاهة بحث لا تنتهي ...تفاصيلها مجموعة خيوط في قبضة واحدة إن أمسكت بطرف تحاول تخليصه من العقد الباقية صادفتك عقدة صغيرة جدا لاتهتدي إلى فكاكها ... الغموض الرمادي يلفنا برداء خانق ...السماء وحدها تملك الحقيقة المطلقة فيما حدث تلك الليلة ...وكيف تبارك الشارع وأخلى فضاءه من عابريه !...وكيف تدهورت السيارة عن مسارها !...من الجاني!؟..القدر هو المسؤول !؟..أم هناك يد في المساحة بين الضحية والقدر0

هذا هو يوم السبت ثانية يعود ...وما لنا وللأيام هذه ..السبت هذا يتشبث بذاكرتي مصطحبا معه كل ما ليس طيبا في طعمه ..لعله نوع من التشاءم حل على نفسي! ...عندما أبحث عن الآلام أجدها في جعبة السبت ... هل استقل السبت بمهمة بعث الألم دون الأيام .. تاركا لها ما دون ذلك ..لربما كان اعتقادا خاطئا؟! ..لربما 0

السبت ظهرا في بيتنا الصغير بأقصى الشمال الغربي من السنابس .. يوم كباقي الأيام في تجاعيد مجرياته ...جالسون جائعون بانتظار ما يخمد فورة جوعنا من غداء .. الجوع كافر كما يقول المصريون في أفلامهم ...الجوع تراه ولا يراك إحساسا ..ويراك ولا تراه هيمنة ...ننتظر وجبة الغداء بعد يوم طفح التعب في ظهيرته ,هاهي الظهيرة تلقي نصف النهار في الماضي ونصفه الآخر في المستقبل 0

أين الغداء ياأمي؟.. أبي وأخوتي وأخواتي متحلقون على السفرة تحلق الأسود في انتظار سقوط الفريسة ...السفرة التي صنعتها عمتي مريم... من خوص النخيل ..كانت تقتل فراغها بصناعة(الحُصر) و(السلال) و (الجُفران) و(السُفر) ..تجمع الجريد الحي الأخضر الممتلىء بالخوص الريان بالخضرة المنعشة ...تجمعه تستل الخوص من الجريد ...تشطر الخوصة إلى قسمين..وتشرع في نسج شريط طويل يأخذ من صبرها وطول بالها الكثير ..وهكذا بيديها الموهوبتين في ترتيب (السفة) تحول النخلة إلى (حصير) أوسفرة أوجفير وما أكل ابن آدم خيرا من كد يده ..مالنا وعمتي وحصرها وسفرها ...أين الغداء يا أمي؟

أخيرا هبطت الصينية بيضاء تسر الجائعين ..بخار الحرارة يتفلت من سطحها محلقا في أوجهنا ..يملأ أنوفنا برائحة الرز الشهي ...وحل بجانبها إناء آخر يحلق منه بخار الحرارة دخانا برائحة السمك ...(صالونة السمك الصافي) تلك وجبة برعت أمي في صنعها ...فلها علينا الشكر الجزيل وأن نبرع في التهامها..تمت الوجبة بحلول الصالونة علينا حلول العيد بعد الصيام ...حضرت بعد ذلك الإناء آنية أخرى ليس لها في الإنتظار نصيب ...حضرت أم غابت لايهم0

بسم الله يا(صالونة الصافي) نبدأ...في فناء بيتنا الصغير المكشوف جزء منه على السماء ...ونحن جلوس حول سفرة عمتي ...تملأ أيدينا بطوننا ...كانت الباب تقرع ...البعض يقرع الباب برؤوس أصابعه فتحدث قرعاته جرسا وادعا في النفوس ...أما الآخرون فراحة أكفهم تعب .. تنزل بما أوتيت من عدم إحساس على الأبواب الهادئة أهلها..أكفهم رسل القلق والعذاب0

كنا موعودين بقرع رسل القلق أولئك ..قرع أتانا كالقارعة...دارت وجوهنا في بعضها ...الذوق لا يسمح لأصحابه بزيارة الآخرين في أوقات غدائهم ...واللياقة ليس فيها متسع لإنزال الغيظ بأبواب من لا نحب ..فززت متثاقلا حيث لا يبعد الباب أربعة أمتار عني ..استوعبت مقبض الباب بيدي وأنزلته ساحبا الباب إلي 0

بدت الوجوه خلف الباب غير مألوفة لدي..أربعة رجال مترجلين من حافلة صغيرة ...ألبستهم رياضية ..أما أسمنهم جسما ..كان عربي اللباس يرتدي غترة بيضاء وعقال..ذووجه عريض ينسيك النظر إليه حجم جسمه الكبير ...لا تجد في تقاسيمه أثرا لبسمة مرت أو انعطافة ثغر توحي بتقبلها ابتسامة ما0

لو كنت أعلم أن خزنة جهنم يهبطون الأرض زوارا لقلت أنه أحدهم ...تقدمهم مكشرا عن شدته بصوت كأنه الحجارة تصطك في بعضها ..سألني بتلك الحجارة :عبدالشهيد موجود؟...جوابي يتعثر في غابة وجهه الجهنمية ..الكلمات جمدت في صقيع سحنتهم ..الرهبة صهرت ما يكفيني من كلمات فقلت: نعم أنا عبدالشهيد ...قال :تفتيش ...طريقة القرع على الباب ونوعية الوجوه وهذه الكلمة ...كلها تأتيك من القسم الخاص..والكتاب ينقره من عنوانه0

لتوي بلغت العشرين عاما زحفا على المصاعب والتقاط قطعة الخبز من أعلي المتاعب ...قبل ذا لم يحالفني الحظ بمثل هذه الزيارة ..هؤلاء إذن من يحكى عنهم ...وهؤلاء من يأتون البيوت من أبوابها ..يحترمون الأبواب ولا يوقرون أصحابها ..استأذنت الجميع في افساح الطريق والدهشة تنفث دخانها في أعين المتربعين حول سفرة الغداء...وللقلوب أسرارها الغامضة ..قلب أمي لمس تشاؤما من القادمين ...أحاطتها الغربان والبوم بدخولهم البيت ...قالت :ياقاعدين كفاكم الله شر الجايين0

دخولهم شرد الجالسين واشبع الجائعين بقلق هش...شبعوا وهم جائعين ...الأيدي المرصعة بحبات الرز في أصابعها تدلت عند خصورها ...الأعين تلتقط حركات الضيوف الثقال بحذر وذعر ..أخوتي وأخواتي أكبرهم أنا ..تجربتهم الأولى هذه مع كريهي الظل هؤلاء ..صاحب الصوت الحجري قال لهم اجلسوا وأكملوا غداءكم..يريد إبداء اللطف المزور والرقة الكاذبة ...وهل أبقيتم لهم شهية تقبل على طعام؟ ..الغداء تسرب بنار حضوركم ..بل وأصبحنا غداء لكم...(لها تتمة

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الثلاثاء يوليو 24, 2007 9:00 pm

(4)
ضيوفنا برغم منا

صاحب الأحجار الصوتية قال لي : أين حجرتك؟..رفعت كفا لا أملك شعورا بوجودها في حوزة جسدي ...أشرت للحجرة شرقا ..تفتحت قبضته تدعوني للدخول أمامهم زعما بأنهم لا يدخلون بلا إذن..أو تملك رفضا في زمن تهيمن عليه حالة الطوارىء ..لايحتاجون إلى إذن تفتيش أبدا ...ومن يملك فما ليسألهم عن هذا الإذن ..قبل هذا هم صادروا الأفواه والآذان والأعين من الوجوه ..وجوهنا كانت منذ ذلك الزمن ممسوحة الحواس ...حتى الأنوف إذا تطاولت وأعملت شمها صادروها ...لتبقى الوجوه سواء المذنب فيها والبرىء 0

حجرتي هذه لاتتسع لشخصين يقفان فيها ..لو دخلها شخصان غصت بهما وغصا في بعضهما البعض ...فما بالهم وهم أربعة وكبيرهم جثته كحوت يونس النبي ..تقدمتهم مساقا إلى موضع يبحثون فيه عن إدانتي ...بدت لهم الحجرة بجدرانها المغلفة بورق الجدار المخملي المزين بالورود ..تحيط بها رقعة واسعة من اللون الكحلي ...ولا أدري هل أراحتهم تلك الورود الناطقة بالبراءة فوق جدران حجرتي فأمعنوا راحتهم في تعبي 0

أعينهم تتصفح الكتب فوق رفوفها ...يقرأون عناوينها من كعوبها ..علهم يجدون كتابا يقربني من التهمة ..هم لايقرأون ولا يحبون من يقرأون ..الكتاب محرض كبير على التمرد ..وهاهنا واجهة حجرتي فتحات من الجدار تسمى (الروزنة) .. برفوف مأهولة بالكتب ...رأيت أيديهم تنتزع الكتب من صفوفها ..تتصفحها تصفح من لا يتقن القراءة ..تصفح الباحث عن الصور في الصفحات ...لديهم ثارات قديمة مع الكتاب وأصحابه..لايحبهم ولا يحبونه ..كلما كثرت الكتب بحوزتك كلما كنت مدانا بنسبة أكبر0

كبيرهم صاحب جثة الحوت توجه للطاولة المواجهة للباب والمودعة في الزاوية الجنوبية ..عيناه تتلفتان إلى المنظر المثبت على الجدار الجنوبي بأكمله ..منظر جميل لمياه تحط من شاهق جبل وتنساب وسط واحة ..ويداه تقترفان العبث بحاجياتي ..وجد كومة من الورق الجديد بكر لم تباشرها يد على سطح الطاولة...تناولها بفرحة غامرة فرحة العثور على كنز ..ألقى بها إلى الخلف في يد أحد مساعديه ...في علبة كرتونية وضع الرزمة الورقية0

لازالت أصابعه الفارعة الثخينة تجوس خلال أغراضي ..ولاأنسى في تلك الفترة كانت البلاد تحتفل على قدم وساقها بالعيد الوطني ...وقد تكون هذه إحدى فعاليات الإحتفال بالعيد المجيد... قبل حلولهم بأيام كتبت على ورق شفاف بخط النسخ وبالحبر الأسود عبارة العيد الوطني المجيد ..قطعة الشفاف كانت ملقاة على طرف الطاولة حين تنبه لها أحدهم فضمها إلى كرتونة مكاسبهم0

تفتحت أدراج الطاولة عن أقلام خط وأحبار ومقتنيات قديمة لا يأبهون لها ...برقت عينا كبيرهم ويداه تعتديان على قداسة ممتلكاتي ..رفع بيده حمالة مفاتيح صغيرة أمامي ...خاطبني بلهجة الغلاظ الشداد قائلا: شنوهذي ...أجبته :أنت رأيت أين كانت ملقاة ..في الأغراض المهملة ...ماهي هذه التي تجعلني مذنبا لديهم وأتبرأ من علاقتي بها..حمالة مفاتيح على وجهها الجلدي صورة الإمام الخميني ..ولا جريمة حينها أكبر من صورة الإمام يجدونها لديك0

عجبا وهل تصادر المحبة بتجريم مقتني الصورة ..بإمكانك وضع صورة أرذل مغني, حتى فوق فانيلتك والخروج بها شاهرا ظاهرا ..لن تجد من يدير طرفه نحوك حتى ..أما أن تدين لحبك لشخوص كهؤلاء فوراء الأكمة ماوراؤها ..وخطرك جسيم وجرمك عظيم..

ولأن الحب شريعة كما يقولون ..فشريعتك ذات بدع لايرتضيها المرفهون ...كثير هم من يتعلقون بجيفارا ويتعشقونه بإبراز صوره ..لم نجد من يدينهم .. ولم نسمع يوما بمحاسبة من يهوى عبد الناصر ..أما نحن فمن المغضوب عليهم ومن الضالين ..صورة بحوزتنا تعد العدة لمهاجمة الدولة ...ومحبة نكنها تدير معسكرا للإرهاب0

إذا كان البعيد عن العين بعيد عن القلب ...يكون القريب من العين قريب من القلب ..كيف يكون الإمام قريبا من القلب ويستحوذ على الأفئدة بكاريزميته المتفردة ..لذلك استحقيت غضبة واحمرار عين 0

أفرغت على أعصابي برودا أواجه به برودة دمهم الثقيلة ..ومن قال أن برودتهم لا يزداد صقيعها عند ذوبان الأفئدة أمامهم ..ناديت والدتي بقلب يغالب الموقف بعنفوان كربلائي..ناديتها من فتحة الباب المشرع على باحة المنزل :أماه أرجوك اجلبي لضيوفنا الشاي...نكهة السخرية تفوح من كلماتي ..كلا إنها الحقيقة ..إنهم ضيوفنا وإن برغم منا ..ولم يكن بوسع أخلاقنا وأدبياتنا سوى دفع السيئة بالحسنة ..لعلها تكون تذكرة لمن ألقى السمع وهو شهيد 0

قالت أمي بصوت خافت: عساهم ﭽيه ...الأمهات يمتلكن احساسا مرهفا تجاه الخطر المحدق بأبنائهن ..لقد زودتهن السماء بالحاسة السادسة يستشعرن بها مواضع أشواك الحياة منهن ..الرجال بارعون في اللف والدوران والمناورة والتصرف في المشاعر ..أما الأمهات فما عساهن يفعلن أمام غول الأخطار المحدق بثمرة حشاشتهن ...أمي بقلبها المرتاب من ضيوف الظهيرة لا تحتمل رؤيتهم وكأنهم طيور جارحة تنقض علي لتختطفني من مرآها0

برودة أعصابي مع صغر سني يذران رمادا في أعينهم ...ويتربعان في حلوقهم تربع اللقمة المرة محشورة في بلاعيمهم ...ليس لها صعود ولا نزول ..رجع ضخم الجثة للوراء فاصطدم بصندوق الأشرطة المستند على الجدار بجنب الباب ..رب صدفة خير من ألف ميعاد ..حلقت نظراته في عناوين الأشرطة ..حول وجهه المغضب إلي ..سألني :عندك أشرطة للمهاجري ؟...أجبته بالنفي صادقا0

كل المحاضرات كانت بصوت الدكتور الوائلي رحمه الله ...إلا القليل النادر ..حتى الكلام المدون في الأشرطة أصبح مخيفا ..ويحسبون كل صيحة عليهم0

بجنب صندوق الأشرطة المحتوي على أكثر من مائة وعشرين محاضرة للدكتور الوائلي ضغط على زر تشغيل الشريط في المسجل ...دوى صوت الوائلي الفخم ...وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ...القوة في الماضي تتمثل في الخيل والسيف والرمح,أما الآن فهي تتمثل في الطائرة والصاروخ والمدفع...(لها تتمة)

[/center][/size][/center]


عدل سابقا من قبل في الثلاثاء يوليو 24, 2007 9:14 pm عدل 3 مرات

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الثلاثاء يوليو 24, 2007 9:02 pm

(5)
أملكها ولا أملكها

تدفقت ضربات قلبي متسارعة حين اتسعت أحداق أعينهم مما سمعوا ...بنفس الأصبع ضغط على رز الإيقاف ...أنهوا تفتيش الحجرة وتفحصوا أنحاء البيت كاملة ..من السطح حتى باقي الحجر ..وبعد اتمام المهمة الوطنية هذه ..غادروا المنزل بصحبة الكرتونة الصغيرة تحمل بعض متعلقاتي ...غادروا وبصحبتي أيضا 0

خطواتي تطبع خارج البيت ومبضع التوجس يحط على قلوب أبي وأمي وأخوتي وأخواتي .. صعدت الحافلة البيضاء الصغيرة بصحبة الأربعة ...حول السيارة تحلق جمع من الجيران بعد شعورهم بضيوف الفجأة ...وسط الدهشة الفاغرة فاها تحركت الحافلة تقلني مجبرا على المغادرة ...وتحركت سحب الخيال في رأسي تبحث عن جرم معتبر علهم يلصقونه بي ..حينها لم تقترف يداي ولا تفكيري شيئا يعتبرونه ذنبا 0

أوهام شرسة تهاجمني فأطردها ..ولا أجد ما لعله يكون سببا لما جلبهم إلي... عبرت الحافلة بوابة القلعة ..بعد أن كانوا ضيوفنا أصبحت ضيفهم ...أجبرونا على استضافتهم وأجبروني على ضيافتهم.. وبعدأن جعلوا (صالونة الصافي) ذكرى لا تحمد عودتها ..وبعد أن صرنا نتشاءم من (صالونة الصافي) ومن ذكرها ..بعد كل هذا هذه حافلتهم تحملني إلى مالا أعلم من تهمة ...ياغافلين ليكم الله 0

توقفت الحافلة الصغيرة بنا في منتصف عصر ذلك السبت بجوار حجرات خشبية ..ألتقط بذاكرتي المشاهد خلسة ...ألتقطها إلتقاط سارق الفاكهة من صاحب المحل ..بقدمي دخلت الحجرة الفارغة إلا من طاولة وبعض المقاعد ...توسطت دائرة العذاب بقدمي ..أدركت أني قطب دائرة الألم حينها ..تمتمت شفتاي بدعاء ..اللهم أكفني شر ما يضمرون لي وارزقني العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة 0

بإصبعه أمرني بالجلوس على الكرسي النائي عن الطاولة كالشارد منها... الكرتونة الصغيرة بحاجياتي المصادرة استقر بها المقام على سطح الطاولة ...أملكها ولا أملكها الآن ..تلك فلسفة الموقف ذاك ..بقي أشدهم والباقي غادروا ...انتزعني الهاتف برنينه المدوي في الحجرة الفارغة ...انتزع أحدهم ذاك سماعة الهاتف بلهفة الحاصل على جائزة0

نعم سيدي ..المضبوطات رزمة أوراق فارغة ..وقصاصة ورق كُتب عليها العيد الوطني المجيد ..وأنزل السماعة من كفه والبهجة تدغدغ ثغره...ويالها من مضبوطات ...أيكون الورق الفارغ دليل إدانتي ..لربما ..فهم سيقررون ماذا كنت سأملأ فراغ هذا الورق من تحريض وما شابه ذلك 0

سامحه الله ذلك الحجي حين أعطاني رزمة الأوراق ..كان يظنني سأكتب دعوة زفاف نجله في الأوراق كلها واحدة واحدة لأريحه من عناء التصوير ...ها قد أصبحت مساحة الدعوة مساحة لإدانتي ...قبل التهمة ودون تهمة ..أما المضبوطة الأخرى فلو ضحكت لها الدهر كله لما كفاني.. وشر البلية ما يضحك .. كتابة العيد الوطني المجيد أصبحت إثبات تهمة.. ماذا لو تقاعست عن كتابة آخر كلمة (المجيد)..كنت خائنا بالطبع 0

كيف يترجمون كتابتي هذه ؟..بالتأكيد لا يجيدون ترجمتها بغير أني أضمر شرا للعيد الوطني ... سرّحت خيالي قليلا بين السخرية والقلق ... المضبوطات كما يدعون لا توحي لي بملامح الدرب القادم أمامي ...كأني في سفح جبل بين صخرة ستهبط فوقي وذئب يتحين الفرصة لافتراسي..ولا أدري أيهما الخطر الوشيك0

بعد دقائق بحسابنا خارج هذا المكان جاء ذو الجثة الحوتية ..دقائق ذلك المكان تعبر على جثتي كالبلدوزر .. أفرد أصابع كفه كاملة أمامي ثم أعادها إلى جهته إشارة لدعوتي للنهوض ..مشيت معه في تلك الساحة الواسعة ...وصلنا إلى بوابة زجاجية ...فتح الباب ودعاني ..دخلنا سوية بشعورين مبتعدين ... شعور الضحية والجلاد 0

حارس جالس أمام شاشات متعددة قبالة البوابة ...البوابة محاطة بنظام أمني ...اسطوانة حديدية تتفرع منها ذرعان حديدية أخرى تسد المدخل أمام القادم...تناول بطاقة من جيبه ...مررها في الجهاز .. قدمني أمامه ودفع الأذرع فاندفعت وتقدمت ..مررها ثانية لتتيح له فرصة العبور 0

يجيد الإنسان الإحتياطات الأمنية فيما يتعلق بدنياه ولكنه غافل مخدر عن التسلح والتوقي لما قد يفاجأه غدا ... تقدمني مستقبلا عتبات السلم المغلفة بالبلاط اللامع ...ونحن لازلنا نعبر السلم وفي المرحلة الثانية منه ... بدى وجه أحمر مشرب بالدماء المتدفقة فيه بحيوية ...لما بدى هابطا ونحن في صعود امتدت يد مرافقي الضخم من الأمام للخلف لتحجزني خلفه ... ولإفساح الطريق لسيده كما يبدو0

أبدى التحية بتصاغر واحترام مصطنع ...السلم كان واسعا يتسع لثلاثة يعبرونه براحة ...لكنه نظام مزروع هناك أن تبدو أصغر ما يمكن أمام أكبر ما يمكن ... يبالغون في إذلالك من الخطوة الأولى عند جهاز تمرير بطائقهم حتى آخر خطوة ...إذا أراد الله لك ذلك والنجاة من براثنهم...(لها تتمة)


عدل سابقا من قبل في الثلاثاء يوليو 24, 2007 9:11 pm عدل 1 مرات

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الثلاثاء يوليو 24, 2007 9:10 pm

(6 )
البيّـنــــة

أظنه خشي على سيده تهمتي المجهولة لحظت ذاك أن تدنسه ...أو أعيق خطو أقدامه فأوقفني ريثما يعبر ...وعبر السيد الأجنبي بجانب مواطنين...أحدهما أدى فروض الطاعة والآخر رهن الإدانة والتحقيق...عبرنا إلى الممرات المصطفة على جوانبها مكاتب التحقيق المرقمة ...ذات أقفال مزودة بنظام أمني ...أقفال ذات حلقات دائرية مرقمة 0

كهذه الأبواب لو تسنى لهم وضع أقفال مرقمة على أفواهنا لما توانوا ...ولو تمكنوا من وضع نظام لا يتيح لنا التحرك إلا ببطاقة كبطاقة بوابتهم في الأسفل لفعلوا 0

أوصلني إلى مكتب من المكاتب الشاهدة على الزور والجبر والبهتان ...أمرني بالجلوس على الكرسي فجلست ..دقائق مرت حتى جاء من هو أكبر منه بصحبته ...احتراما وتوقيرا وتبجيلا لكبيره أمرني بالوقوف معنفا ...يجيدون تبديل جلودهم في كل لحظة خمس مرات على الأقل ...قبل دقائق كان بوجه طيب ...ما أسرع ما انتزعه واستبدله ...نهضت واقفا ويداي متعانقتان خلف ظهري 0

مرة أخرى عنفني لتغيير وضع يدي بشتمة نابية ...وألقي علي صفة حيوان من ذوات الأربع له صوت من أنكر الأصوات ...لا يسبقهم لسان في حفظ الألفاظ البذيئة ... أتيت بيدي مهدولتين للأمام ...بينهما واقف أنا ...الكبير من أمامي والآخر من ورائي ..أنا كما قال القائد القديم لجنوده ...العدو من أمامكم والبحر من خلفكم ..حملق في بعينين ليس في سوادهما إلا سواد النية ... خاطبني بلهجة ممزوجة بين الجد والسخرية :ها .. ستعترف أم لا ...لابد أن تعترف في شريعتهم وفي قانونهم 0

ومادمت تحت قبضتهم فلا يمكن أن تكون بريئا ...هذا كما يعتقدون طبعا ..إذن لابد أن تعترف ..ولكن بماذا أعترف؟!...أنا تائه بين السؤال والجواب ..كالطفل المخطوف يبحث عن سبب لما يعانيه ...أنتظر ممرا يلقون بي فيه لأعرف ما هي غايتهم ...كلمة واحدة قلتها : بماذا ؟ ..جاءتني صفعة ملتهبة من كف ذلك الضخم ...كنت أرى الصفعة في كفه منذ النظرة الأولى أمام البيت ... وكان يتحرق لهذه اللحظة ...بصفعته تلك عرفت كم هو ثمن المواطن عند هؤلاء0

قال الأخر : بماذا !..بهذا ..وألقى من كفه ورقة معطوفة على بعضها ..وقال هذا المنشور الذي كتبته يافالح ...منشور البينة..ألست من خط (البينة)؟!...الآن فقط اتضحت لي معالم التهمة وأبعادها ..من باب الخط جاءوا..عرفت التهمة ولم أعرف المضمون وما يحتوي المنشور ...لازال لهب الصفعة لم يبرد في وجهي ...عيناه تقضمان صمتي ...رفع كفه وصفعني أخرى..رفعه ثانية ليستمتع بصفعة أخرى ...جاءه النهي من الآخر قائلا :خلّه..لبى وانتهى قائلا: حاضر سيدي 0

هذا هو السيد إذن ...وما الآخر إلا عبد يتسيد عليّ أنا ويستعيد سيادته في جسدي ..بينهم لا تميز بين الضابط والشرطي ...الكل يهينك ويعنفك ويحقرك ...السيد منهما ابتلع نفسا طويلا وأفرغه من فتحتي أنفه وقال : شهيدو إعترف أحسن لك...أرجعني إلى عهد الطفولة .. وأيام نزاعات الصغار ...كنا عندما نستغيظ من أحد ونريد اشعال غضبه نضيف هذه الواو في اسمه ...لقد انحدروا حتى هذه الدرجة ..أعاد الأمر ثانية وقال :إذا لم تعترف سأكسر يدك التي تكتب بها0

قلت لهما :أنا مستعد لأكتب لكما هذه الكلمة بكل الخطوط التي أعرفها ...وأنتم قارنوا خطي بما لديكم ..فإن كان يشبهه فاصنعوا ما بدى لكم ..في قرارة نفسيهما أقرا بأحقية ما أقول .. وقد يكونان يعلمان بهذا قبل احضاري لساحتهم المكرمة ..ولكن لأمر ما كابروا ...رغم ذلك حاولوا في الولوج إلى كل ثغرة يلمسانها0

في الخاتمة أذعنا للحقيقة المرة ...قال الكبير سندعك تمضي ..ولكن إذا ثبت ضلوعك في الأمر سنطالك أينما تكون ...لو أنك تختفي في القمر نحن قادرون على الصعود والإتيان بك ...ما شاء الله.. بهذه القدرة لا يستطيع اللصوص النفود بجلودهم من قبضة القانون ...ولا يمكن لمروجي الفساد أن يهربوا من وجه العدالة ...أخلوا سبيلي لأعود وأطفىء نارا اعتلت ألسنتها في قلوب المحبين ...عدت بعد أن أغلظوا التهديد إلي بعدم التفوه بحرف واحد مما دار في معيتهم0

وعدت بعد أن صادروا حاجباتي وبينها مجموعة قصائد مكتوبة ...عدت أبحث عن حقيقة المنشور (البينة) ...كان منشورا يتحدث عن ملابسات حادث السيد وأصابع اتهام منصوبة كما قيل ...أصابع اتهام تشير لهم ...هم يبحثون عن تلك الأصابع لكسرها ..لم تكن إصبعي تلك التي تشير لمصرع السيد الجليل ..لكنهم ألصقوها بي لعلها تصيب ..واتجيك التهايم وانت نايم 0

قصائدي المصادرة أسفت عليها كثيرا ...ولكن كيف الحصول عليها ..هي في أسوار منيعة ..السلامة في البعد عنها ..وشاءت الأقدار أن ألتقيهم يوما ما ينجزون عملا ما من أعمالهم تلك أما مبنى تجاري ...لا يمكن نسيان أرقام وجوههم..أعرفها جيدا ...إنهم هم أنفسهم في السيارة جالسون ينتظرون ...قصائدي دفعتني ملقية بالخشية والخوف خلف ظهري 0

فاجأتهم أقف قبالة سيارتهم ..ألقيت السلام صادقا وردوا عليّ بتقليدية فجة ..قلت للجالس بمحاذاة المقود : لي كراسة قصائد غادرتموها مني قبل فترة...أنا بحاجة إليها ..كنت أعلم أنها محاولة لاتنال نصيبا من النجاح ..تطاير الشرر من عينيه وقال بهدوء ملفق: إنسها أفضل! 0

مابالهم لا يسيرون بنا إلا إلى النسيان ..ذكراهم لاتتلف حرفا صادرا من متكلم إلا ولديه رقيب عتيد..بينما ذاكرتنا قدرها توأمه النسيان ..هبني نسيت قصائدي وألغيتها من حساباتي ..هل سيلغونها من الرصد والمتابعة والغوص في باطنها وتحميلها عبء تأويل محتواها ..والأيام حبلى بالنقائض والمعاكسات ...وإن عشت يريك الدهر عجبا0

ذهبت قصائدي كما ذهب الكثير مما يعز علينا في أيامنا تلك ...قطع من كبدي صببتها من قلمي فكانت شعرا جياشا ...جاشت حوله أيدي غازية غزت قصائدي فأسرتها وأصدرت بحقها حكم الإعدام....(لها تتمة)


الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل السبت يوليو 28, 2007 6:29 am

(7)
مكالمة خاطئة

كما ذهبت قصائدي إلى مصير غائم ...عادوا لي بجديد من قصائدي ..وكأن قصائدي يدور حولها مؤشر المعاناة دائما وأبدا ...جلس والدي الحاج علي عصرا يتناول كوبا من الشاي.. فوق كرسيه المنتصب على بوابة المجلس من الداخل ...يشاهد التلفاز قبل تسليمه النفس إلى ملك النوم .. يتثاءب تثاؤب المتمردين على النعاس ...ناظراه مسمران في الشاشة وجفناهما ذابلان.. رأسه تطبق جفناها فتخر للأسفل مجاهرة بالنعاس ... توشحت عيناه بالغفوة وهدير الشخير عاليا0

كوب الشاي يتأرجح في قبضته كالطائر في الفخ يرفرف بجنحيه ولا يتمكن من التخلص ..أيقظه صوت الهاتف الأزرق القابع فوق التلفاز ...الهاتف يعكر سكينة ظهيرته ببكائه الدائم ..يداه أقرب إليه من الآخرين ...تطاولت يده اليمنى سماعة الهاتف والنعاس لا يبارح معابثة جفنيه ...رست السماعة عند أذنه ..قال :هلو ..كما يحلو له أن يلفظها باشباع آخر حروفها بالمد ..جاءه الصوت من المتكلم الآخر ...محمد موجود ؟ ..أجابه الحاج علي : لايوجد لدينا من هو بهذا الإسم ...وأعاد السماعة إلى حضن الهاتف0

شفتاه تغمغمان بتبرم من أهل زمانه العجلين ...لا يتريثون في طلب الأرقام ولا يتورعون في مكالماتهم ..وكثير ما هم ...أذناه لازالتا ذاكرتين ما سمعته من معاكسات طفولية وسخريات فارغة ..في داخل نفسه يمقت هذا الجهاز العجيب ..يدهشه تقريب المسافات بمجموعة أزرة ...ويمقت ما بداخله من أناس يهاتفون للسخرية من لقب أو للتسلية والتحرش ...وكم كانت إجاباته العفوية لهؤلاء بالمرصاد0

ثانية نطق الهاتف وفي أدنى من دقائق ثلاث ...أوعادت المعاكسات ثانية ..رفع السماعة وأعاد في لاقطة التلقي:هلو...ذات الصوت السابق ينزلق في مسمعه :هل محمد موجود؟ ...محمد ابنه الصغير لم يتجاوز عمره سبع سنوات ...ولم يعتادوا على استقبال مكالمات هاتفية له ..لهذا لم يشك الحاج علي في أن المقصود هو غير ابنه 0

لذاك أجاب بالنفي في المرة الأولى ..شعر الحاج علي أن في الأمر تأكيدا ...من يطلبه قال؟ وقال أيضا محمد هذا صغير!... من يريده؟ ..إثنان من الجانب الآخر يتهامسان ..فر النعاس من عينيه وعافت الأجفان وسنها المنتظر ...وعليه انتظار ما خلف هذه المكالمة ...الكبار في السن علمتهم الحياة المباشرة في الأمور ...ليكون واحدهم دغري ...فما بال هؤلاء يمططون المكالمة .

وهو يتحرق في الانتظار ...أخيرا تكرمت خلاصتهما عليه ..قال المتكلم :نحن نخاطبك من مركز شرطة البديع !..نريد أن نرى محمدا هذا ..سننتظرك بعد 15 دقيقة عند نادي السنابس ...الأفكار تقوده بأعنتها يمين شمال على غير هدى ..تقرض راحته قرضا بطيئا كالفأر المستحوذ على قطعة جبن في منأى عن الناظرين ...ذو السبعة أعوام ما عساه أن يجني ؟ ..وما عسى كفاه أن تقترفان ؟.

دخل محمد الآن منتهيا من لعب الكرة ...الأسئلة متناحرة في فم الوالد ...لم تحسم أمرها في الظهور ...محمد.. ماذا عساك فعلت؟! الوالد سأل محمدا..السؤال أدخل محمدا الصغير في قوقعة مغلقة وألقى به في لجة بحر عميق تدور به ..لا يجد فمه لسانا يدافع عنه ..أخيرا ابتلع ريقه والخوف يخنق عنقه الصغير وقال: لم أفعل شيئا!..

إذن تعال معي ...قالها الأب وأصابع قبضته اليمنى تلتف حول معصم ولده الصغير ...خطواته المتلاحقة قطعت الطريق إلى النادي بدقائق إذ لا يبعد عن البيت كثيرا ...بجوار بوابة النادي وجد سيارة ...يبدو أنها سيارة شخصية ...شخصان جالسان في المقعدين الأماميين ..أنهى خطواته عند باب السائق منهما ...أعقبه بإشارة من كفه إلى ابنه وكلمتين من فمه قذفهما في وجه الجالس أمام المقود :هذا محمد! ..نفخ الجالسان في السيارة أعينهما وقرعتهما الدهشة بالصدمة...

قال الآخر : مادام الأمر هكذا أعطه (الاحضارية) ونكون أنهينا ما علينا ...الجالس بجوار المقود دس يده في جيبه البارز فوق صدره ...تناول الورقة مطوية في بعضها وقال :غدا تحضره إلى قسم التحقيقات بالعدلية.

ألقى الورقة في يد الحاج علي ...وثقل ما وراءها يجثم على صدره كالصخرة الصماء ..عاد الوالد إلى البيت بيد تقود ابنه ...وأخرى تقود غدا مجهولا ...عبر المسافة إلى بيته والتوقعات تهذي في داخله بمخاوفها وترقبها.

في المساء علمت بلغز ما جرى ..بطريقة ما داخلني احساس أنني المقصود مما جرى ولا بد أن يكون في الأمر خطأ ما ...أفضيت باحساسي لأبي ...لكن ما جرى صده عن الميل مع تصوري ...دهشتهم من صغر سن أخي توحي بسن من يطلبون .

مع خيوط الفجر الأولى يبكر الحاج علي كل يوم في الخروج إلى السوق ...يرتل دعاء حفظه أيام شبابه ...أصبحنا وأصبح الملك لله ...بهذا الدعاء يفتتح صباحه منتظرا العطايا الإلهية من الرزق الكريم...عندما يبكر في خروجه للسوق يسبق الآخرين في الحصول على الخضار اليانعة ...يستيقظ باكرا مجدا في اكتساب قوته وقوت عياله ...يقول دائما :اسع ياعبدي ..منك الحركة ومني البركة...لكنه اليوم مع قدر آخر لا يعلم هويته ...بعد ليلة قضاها في التقلب والتوقعات المخيفة والأرق الجاف والقلق المقيت.

وحسنا أن صادفت هذه الحادثة أيام عاشوراء ...أيام تعطيله عن الذهاب للسوق ..هاهو الفجر يحلق بجناحه الأبيض فوق بيتنا ...يشرد أسراب الظلام من فضائنا ..تفتق الصباح عن يوم أطياره لا تطرب شقشقتها ...وعن شمس حرارتها تحولت إلى زفير ترسله إلى الساكنين على هذا الكوكب الصغير ..(لها تتمة)






الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل السبت يوليو 28, 2007 6:31 am

[color=#ff0000]نريد صاحب السيارة
[color:fa06=#ff0000:fa06]8


ومع استفاقة النهار أيقظ الوالد ابنه محمد قاصدا إلى قسم التحقيقات يحدوه الأمل في أن يكون الأمر مجرد خطأ أو تشابه في الأسماء ...وقف عند البوابة الشرقية للتحقيقات ..مد للشرطي ورقة الشئم وأنزلها في يده ...سأله الشرطي :أين محمد ...هبط كفه للأسفل وأشار :هذا هو..الإستغراب بدت علاماته على وجه الشرطي ...رفع قبضة الهاتف ..خاطبهم وأنهى المكالمة وقال للوالد :انتظر ...وهل يملك المجبرون سوى الانتظار وسلق أفئدتهم بناره الهادئة الصاخبة ؟! هادئة ببرودة البطىء المنسحب على أجسادهم وصاخبة بضجيج الهواجس المعربدة في رؤوسهم.


جاء شرطي بلباس مدني ..تكلم مع الشرطي بهمس متستر ..بعدها مشى بمعية الوالد ومحمد إلى الداخل ...أبقاهما الشرطي في قاعة الإنتظار ريثما ينتهي الضابط من مهامه...مرت عشر دقائق قبل أن يدعوهما الشرطي للدخول ...أمام طاولة الضابط وقف الوالد ..دعاه الضابط للجلوس برقة متناهية ..حول الضابط وجهه إلى الصغير محمد وقال:هذا ابنك محمد؟ ...بوجهه المستقبل جهة وجه الضابط قال الوالد:نعم..أطرق الضابط برأسه قليلا..رفع رأسه قائلا:لديك أبن يملك سيارة ..قال الوالد : نعم .. وأظافر الريبة يتسع غورها في قلبه ..الضابط قال:ما اسمه ..قال الوالد: اسمه مهدي ..الضابط وبدون تريث وكما اعتاد في الاستدعاء وبراحة لا يصاحبها تبرم قال :نريد ابنك صاحب السيارة .

عاد الوالد ينزع قلقا على ابنه الصغير ليرتدي خوفا أكبر منه على ابنه الكبير ...من البيت هاتفوا مهدي في العمل وأخبروه فجاءهم وذهبوا ...استقبلهم الروتين السابق لدى البوابة حتى قاعة الانتظار..دخل الوالد ومهدي على الضابط ..تلى الضابط على مهدي رقم سيارته وأعقبها قائلا :هذا رقم سيارتك ؟..أجابه مهدي بالإيجاب ...أنفرجت أسارير الضابط في وجهه العابس وقال :ولديك كتب تبيعها؟ ...قبل أن يتجاوز الضابط أكثر من هذا قال الاثنان...الوالد ومهدي :لا..قال الوالد :من يبيع الكتب هوعبد الشهيد...قال الضابط :نريد من يبيع الكتب ...إذهبا واتياني به !

وهكذا خطأ في قراءة اسم حولته من مهدي إلى محمد ولأني كنت من يقود سيارة مهدي ..كلفت الأب الكبير ثلاث مرات من الذهاب وثلاث أخرى من الإياب ..هاتفوني في المطبعة الشرقية حيث أعمل ...استأذنت من العمل وجئتهم أقلب في صدري ريبة من أمرهم ...ومن طلبتهم من يبيع الكتب ...هاهي قصائدي تعود مرة أخرى ليفتحوا منها حججا يلقون بها في طريقي ..عندما صادروا مجموعة منها لم تنضب عزيمتي بل رحت أنظم مزيدا ...وطبعت منها الديوان الأول في البحرين وألحقته بالثاني مطبوعا في لبنان.

في محرم الحرام القلوب متعطشة إلى ذكرى أبي عبد الله الحسين(ع) والعشق الحسيني مبرم في الوجدان الشعبي ..كنت أصطحب أخوتي فاضل وحسين ومحمد إلى مأتم الترانجة في (الديه) حيث يعمر المجلس بالحاضرين ..يجلس أخوتي الثلاثة الصغار يبيعون الكتب بعد انتهاء الخطيب من مجلسه ...من هذه الزاوية جاءوني هذه المرة .

وصلت إلى مبنى التحقيقات ..أدخلونا إلى قاعة الانتظار ...أتصفح المكان الضاج بحفيف الحركة الدائبة ..بعد برهة لا بأس بها دعوني للمثول أمام الضابط ... نهضت متوجها خلف من نادى باسمي ..استدار إلي وقال لي اخلع (القحفية) ..قلنسوة كنت اعتدت ارتداءها طوال العام ...تلقف والدي الأمر قائلا :أوكي ..ويداه تنتزعها من رأسي ..وجسدي تحتها ينساب في ممرهم ذي الرائحة الكئيبة ...تشم في الممر القسوة مكشرة لكنك لا تراها ...والكآبة تطبق على أنفاسك ولا تجد لها حسا .

فتح الباب أمامي ..توسط جسدي مكتبا تسد مساحته كنباته المصففة أمام المكتب ...الضابط متربع بجسمه الممتلئ فوق الكرسي ..يرتدي بدلة مدنية كحلية ... تفاصيل وجهه تؤكد أنه من أصول غير بحرينية ...لكنه ضابط على كل حال.. يداه ملقيتان على الطاولة بكفيهما المكتنزين بالعافية ...فوق سطح الطاولة ملقيا بذراعيه باعتماده على كوعيه العريضين كرجلي فيل صغير.

صعد حاجبيه وأوسع فتحتي عينيه في وجهي ..ثم أهدل جفنيه ضاغطا عليهما ..فتح علبة السجائر الحمراء إلا من قليل بياض يشوبها ...تناول سيجارة بطرفي السبابة والإبهام ...قرع غطاء العلبة بكعب السيجارة بعد اقفاله ...بقيت أصابعه تقرع العلبة بالسيحارة وعيناه شاخصتان في ذقني ...أنت من يبيع الكتب؟قال ..بصوته ذي البحة المجرشة ...كلماته خاملة تأتيني من خلف مكتبه .

بإيماءة رأسي إلى الأسفل أجبته :بلى..تلقى جوابي بصمت تلتهمني ثوانيه ..أعقب الصمت قائلا: ماهو اسمك : رددت عليه ببطئ يساوي صمته :عبد الشهيد ...أطلق أصابعه الأسطوانية باسطا كفه أمامي وقال: إجلس : نقلت أقدامي خطوتين للكنبة إلى اليمين وألقيت ثقل جثتي النحيفة بحذر الداخل في عرين الأسد ..استويت جالسا فوق الأريكة جسد ينعم بليونة المقعد وروح يراودها الإشفاق من مكرهم وخبثهم .

وجذع جسدي يستقر على الأريكة لمحت عيناي لوحة خطية مبروزة مثبتة فوق رأس الضابط على الجدار ...بخط الثلث كتبت ..كادت سليقتي في حب الخط أن تسرح في جمالية الخط ...ولكن سرعان ما ثبت إلى نفسي وتراجعت عن سليقتي ..

وضع السيجارة في فمه دون أن يشعل النار في رأسها لكنه أشعل قلقا عنكبوتيا ينسج خيوطه في أطراف صدري بصمته ...استل السيجارة بالسبابة والوسطى من فمه ...واجهني بإصبعين يأسران السيجارة وقال: متى طبعت هذه الكتب ؟ ..أعملت ذهني في التفكير والتأني ...ففي تلك الأمكنة كل خطأ غير مقصود يعتبر تضليلا ..نحن الآن في عام 1986..كان هذا الكلام خفيا مع ذاتي أجبته :منذ مايقارب ثلاث سنوات .

عطف يده الممتلئة باللحم من أثر النعمة إلى جيب سترته ...استخرج قداحة فضية اللون ..أشعل بها السيجارة المحاصرة بأصابعه الغليظة ..يعتمدون الصمت المصطنع لإتلاف الأعصاب..شفط نفسا طويلا من سيجارته واستخرجه نافثا دخانها للأعلى وقال لي: سيارة الأمن استوقفتكم عند انصرافكم من بيع الكتب ...لكنكم لم تقفوا !.

بضدية معاكسة لصمته الحارق كان ردي : يبدو أن سوء فهم في الموضوع ...المسافة التي نقطعها تمتد من (الديه) إلى السنابس ..وهي لاتتعدى 600 متر ..تعبرها السيارة بأدنى سرعتها ...ثم ننتهي عند البيت ..لو أحد ما تبعنا لوجدنا مترجلين بعد مسافة قصيرة ...أضف إلى أنه لا يوجد بحوزتنا ما يخيفنا من الوقوف لسيارة الأمن ...(لها تتمة
)




تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 160
أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Reputation_pos



مشاركة: أيام في ذاكرة الوطن


(9)
كنخيلنا نحن
بهاتين الحجتين أقفلت المنافذ قاطبة في وجهه...السيجارة قارب نصفها على الإحتراق تحت نفخات فمه الشاهقة الزافرة ..وليس أقسى من هذا على من يرى نفسه أقوى منك ولا يجد حيلة في التمكن منك ...القوة أسد تربيه في قفصك ...عليك إطعامه من لحوم الآخرين ..إذا لم تطعمه عاد عليك يطلب غذاءه من لحمك ..إحمرت عينا الضابط ...قال بصوت خلع الهدوء من نبرته :ماهي الكتب التي تبيعها ؟

كان ردي بسيطا :كتب شعر ...ولقد أهاجني شعور برخص الكلمة الصادقة عندهم ..بالأمس قصائدي أحرقت ...واليوم تلاحق حركتها .. قال :شعر إيش؟...بدت لهجته الأردنية واضحة...قلت :شعر حسيني ...طأطئ رأسه لمرات وألقى عقب السيجارة في المنفضة ضاغطا عليه بإبهامه الناتئ من كفه كرأس ثعبان .

كيف طبعتها ...فتح الدرج وأخرج ملفا وهو يقول العبارة السالفة ...عندما يفرغون يشغلون أنفسهم بما لا شغل فيه ..يلاحقون الظنون لعلها تقودهم إلى صدفة عمياء تعود عليهم بالنفع ...كيف طبعتها ...وبكم طبعتها ...وكيف وهل وأين ..أسئلة الإستفهام مرتبة على ألسنتهم ...لو تلكأ أحدها لا تنجو من الأخر... بترخيص من وزارة الإعلام قلت له ..تنفست الصعداء أنه آثر الصمت وقنع بحزمة الأسئلة الآنفة.

انحدرت نظراتي من وجهه إلى اللوحة الجالسة أمامه في مقدمة الطاولة ...الخط الديواني يزين اسمه ورتبته ...نقيب تثقل كاهله ثلاث نجوم ...الطموح غريزة في من رؤسهم مزهوة بنجومها ...وما دامت النجوم تبرق وضيئة فوق الأكتاف ففي الرؤس الشاهقة عنها طموح لإزالتها وإحلال التاج مكانها ...رتبة لا ينالها الخاملون المتهالكون في الدعة ...ينالها المفتشون عن النية من عدمها.

أدخل يده اليسرى في اليمنى وقال :سنتجاوز عما مضى وسنبدأ صفحة أخرى ...في المرات التالية قبل طباعة أي كتاب عليك عرضه علينا ...عجباه ..واحيرتاه مهمة أي وزارة الإشراف على المطبوعات ...إصغاؤنا للقانون يقودنا لمخالفته .. ومخالفة القانون تجلعنا من مطبقيه ...أحجية يجيد حلها العائشون في وطننا .

يخاطبني ولا يجعل القانون رائده ..بل يراه ويلتف حوله ...يطوقه بيده ويجعله في جيب سترته ...الأعمى ينفع أن تحاول هديه إلى الطريق ..أما المتعامي فمحاولاتك تغريه بالتعامي أكثر ... ماذا عساني أقول!.. الصمت أبلغ فموسيقاه تعزف على أوتار السامعين...فهم صمتي رضا واعتبرته لا رضا.

استغل صمتي واستقله ليبحر في كلام فضفاض لا أجد له معنى ...راح يكيل المدح حينا وحينا يحدجني بنظرة ترهيب ...وبين الحينين يطوف بي في دهاليز روتين وظيفته الباردة ..ومرة يتجه بي نحو ضعف الولاء للوطن ...ينزل علي بسيف الملام مدعيا أننا نوالي إيران ولا نملك حبا لأرضنا ...الأبواب جميعها مفتحة له ...يدخل من أيها شاء...له القول والحكم الفصل ...يلقي التهمة ويحكم فيها وينفذ .

ذو الأنف الفاسدة لايستمتع بشم الفل ...بل ويقبح رائحته ..أي يوم ذاك الذي فقدنا فيه ولاءنا لأرضنا ...الراسخة عروقه في الأرض أكثر حبا لها من المنقول لها ..نحن كنخيلنا عروقنا ضاربة في الأعماق السحيقة للبعيد ..يحاولون نزعها وتبقى عروقها متواصلة لاتستأصل...


أصابعي متشابكة في بعضها ..وذراعي فوق فخذي أصغي لكثير من الهراء المتدفق من صاحب النجوم الثلاث ...وبوابة كل منعطف إيران ...يعود ليقول لي ما لكم وللإيرانيين ..إذا جاءوا هنا ستمتلئ البلد بالخبازين ...حقا صاحب العين العوراء ينظر للجانب التالف من المحصول المكوم جهتها ولا يستطيع رؤية الصالح منه..أدمغتهم عوراء ...وتدعي شدة الإبصار ...حقا مالنا ولغيرنا ...دعنا من الآخرين .

عيناي ساهمتان في شاشة وجهه الحنطاوية ..أما لهؤلاء من عمل غير تخوين الشرفاء واضاعة أوقاتهم ...لعلنا في المدينة الفاضلة ...فلا سرقات ولا سطو ولا اعتداءات ...ونحن في حضرة المؤدبين الواعظين ..ويبدو أن مجلس وعظه لم ينفذ بعد ...قال:وأنت مقبل على مراحل أخرى ...مطلوب منك إنشاد شعر تشيد بإنجازات الدولة وقادتها .

هززت رأسي علامة الرضا حيث يراها كذلك ..أوهل هذا التعب من الصباح من هذه الإنجازات؟ ..كانت هزهزة رأسي تقول ذلك..كلما جهلت حقك كان حقك إلى الضياع أقرب ..ومن يسعى للصعود وتناول نجمة إلى نجومه يستغل هذا !..لماذا؟ ..عندما تذنب تواجهك لوائح عريضة من القوانين! ..وحين يذنب آخرون تذوب اللوائح ولا تجد لها أثرا! ..لأنك الطوفة الهبيطة...ومن أولاد البطة السودة .

أنهى انذاراته وترغيباته وتهديداته ..قال: الآن يمكنك الذهاب ...ولا تعد لمثلها ..ماهي التي لا أعود لمثلها؟ ...حتى لو لم يثبت شئ...المهم لاتعد لما لم يثبت...أشرع كفه مبسوطة إشارة للأذن بالانصراف ...انصرفت من مكتبه خارجا ..في الخارج كان الحاج علي يعاشر مرارة المجهول ...استلمت (قحفيتي) وسويتها فوق رأسي وانصرفنا أحكي للوالد عن مهزلة الأسباب ...وأقول له ألم أقل لكم أنني المقصود؟!..(لها تتمة)





[/size]

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:17 am

(10)
تكهنات وألف يمكن
مع انصراف عام 1990 من الوجود كان الموكب في السنابس يرتقي سلم المركزية في البحرين عصرا ...كان لابد للعين من تركيز عدساتها على هذا المشهد الملفت في ذلك المخاض العسير ...عشرة عاشوراء تستنفذ جهدا جبارا من القائمين على الموكب ..الدنيا تأخذ أهلها في أيام سنتها كاملة إلا في هذه الأيام يأخذ الإمام الحسين (ع) الناس من مشاغلها ويصرفها في إحياء ذكراه وثورته ...حتى المناوئين لثورته هذه الأيام يصبون اهتماماتهم في رصد السائرين في رحابه وحركته.

هبطت الشمس من برجها العاجي المائل في كبد السماء وتحولت غربا تسحب الرداء الأحمر ...الرداء الأحمر يسحب الرداء الأسود ...توشحت القرية بالعتمة ...صدحت أصوات المؤذنين متداخلة في بعضها من كل الجهات ...بعد أداء فريضتي المغرب والعشاء جمعا عدت إلى البيت ...عند دخولي من البوابة الحديدية لبيتنا العائلي كانت والدتي تنفتل من الصلاة ...تناولت ورقة مسندة إلى جانب النافذة ...رأيت في يديها تراجعا وفي مشاعرها إشفاقا وفي عينيها تحجر دمعة معذبة ...أحطت الورقة بين أناملي ...الكلمات تتلجلج في فمها وقالت : هذه لك .. نطق وجهها في عيني قبل كلماتها .

أفردت الورقة بين أصابع الكفين ...أقرأ في الورقة أمرا بالإمتثال لطلب مخابرات أمن الدولة غدا في مكتب 49...وأقرأ في نظرتها ضنى يتبدد احتراقا ..أصغيت لتفكيري شيئا ما ...هززت رأسي براحة ...سحبت من هواء وطني نفسا..أعدته زفيرا يحمل في تياره تأففا وضجرا ...وهكذا لابد أن يعودوا لي ...يبدو أنني كبعض المرضى المصابين بالمشي أثناء النوم ...يسيرون ويقترفون ما لا يعلمون.. أنا مثلهم يبدو أصنع كل مرة ما يثبت في الختام براءتي منه ..عادت عاشوراء وعادوا ...نجند أنفسنا في كتائب الحسين ويجندون أنفسهم لمواجهتنا .

غدا يتفتق الفجر عما تضمه لي مكاتبهم ..وأنى لهذه الليلة أن تنقضي ..والسهاد تضج وسوساته في وسادتي ..أحاصر رأسي الملقى على الوسادة بكفين خلفه ...أدوس بإرادتي كاملة لجلب الغمض المهاجر عن أجفاني ...الصبح بعيد بعد النجوم ...أقلب رأسي على الوسادة لثلاث جهات ...وأقلب في رأسي أوهاما وتكهنات وألف يمكن .

مهما تطول قطع الليل أمدا لابد للصباح أن يعقبها ..وجاء الصباح ضياؤه لا يلامس أحداق عيني ببهجة ونسيمه استنشق منه قبضا على أنفاسي ...بعد التوكل على الله والتسليم له في الأمر ودعت زوجتي وبؤبؤا عينيها لا يفارقان صفحة وجهي ...ودعتها وأودعت صورتي أعدها قائلا سأعود إن شاء الله ...ألقيت على ابني الغارق في نوم عميق في سريره نظرة شفقة لأبناء المطاردين في لحظات حياتهم كلها لأنهم لم يعشقوا سوى من يستحق العشق كالحسين ...لثمت خده نائما ..ورحت أفتح أبواب قدري بنفسي .

أشرقت على البوابة الشرقية للقلعة...أتلو في سري ..وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون ...البوابة الخاصة للمخابرات ...دخلت الحجرة الصغيرة القابعة بين البوابتين...بوابة الدخول وبوابة الخروج ..سلمت الحارس ورقة الإستدعاء..لا يجيد العربية بطلاقة لكنه يقرأ الأرقام ..ويجيد ضغط الأرقام ...ضغط أرقاما وهاتف من بالداخل ..أمرني بالجلوس في المختصر الضيق داخل الحجرة ..كنت مواطنا صالحا قبل وقوع الورقة بيده ..وبعد أن أمرني بالجلوس أحسست بنظراته تقطر اتهاما وتصغيرا .

كانت دقائق فقط وجاء من يصطحبني للداخل ...مشيت برفقته كمرافق الذئب ..رفقة لا ينقطع الحذر منها ثانية..تجمله بالزي العربي الكامل لم يخف تضاريس بادية في صفحتي خديه ..أوقفني عند البوابة ذات الذرعان الفولاذية حيث أتشرف بعبورها للمرة الثانية ..أجرى مراسيم الولاء لنظامها وعبرنا.

هذه المرة في مكتب آخر ...أمرني بالجلوس فوق كرسي بجوار الطاولة ...خلف الطاولة نافذة بعرض الطاولة تقريبا ..جلس أمامي يتناول أطراف الحديث معي بتمام اللطف والأخوية ...يعطيني من طرف اللسان حلاوة ..يتجمل في محادثتي ..يسألني عن عملي ...وأين أعمل.. وكثير من الخصوصيات ...معلومات أولية يستقونها بلسان الملاطفة والمواددة ...انعطف بخطابه إلى مربط الفرس كما يقال وسألني :ليش جايبينك؟ ..أفردت يدي أمامه وقلت: لا أعلم !..غير صيغة السؤال وقال: يعني شمسوي؟ ..قلت لا أعلم أني فعلت ما يستوجب المخالفة...أظهر لي ظهر المجن وغير صفحة كلامه ..بدت الحدة في كلامه قائلا: لا يمكن أن تدعى دون أن تجني ما يدعو لاستدعائك.

الحقيقة المطلقة دائما مخبأة في درج الطاولة لديهم ...يعتقدون بعصمة معلوماتهم أو ربما يظهرون هذا ويظهرون عكس ما يضمرون ...لعمري أم أنه مما لم تتنزل به الشياطين..في لحظة سكوت لم نردها دخل المكتب أحدهم بسرعة الملحوق...دبت الحيوية في جسد صاحبي فهب واقفا ...بينما بقيت جالسا ألوك الحيرة من عجيب ما يكيدون.

استوى على الكرسي جالسا وسوى مجموعة الأوراق التي أمامه ...تناول القلم بين إصبعين وأشار لي به وقال: ماذا أعددتم لمحرم هذا العام ؟ بعينيه الصغيرتين الضائعتين في وجهه الدائري صار يرمقني ...قلت :قصائد ككل عام ...نفذ صبره عاجلا وظهرت حقيقة تربيته ...نبزني بصفة الحيوان الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وقال:أنا أعلم أنها قصائد !...ماذا ستقولون فيها؟..

أينما تمضي ...وكيفما تفعل ..وبأي سبب..لابد أن تكون حيوانا من فصيلة ما يألفون ويجيدون ترديد أسمائها ...كل مرة تنزع صفة عني وتضاف أخرى ...وسواي الكثير .. ليت شعري أنحن في وطن أم في مزرعة...بلعتها وأسدلت عليها حلمي وهل أملك غير ذاك في زمن يسترخصك فيه أبذئ الخلق .

قلت له: قصائدنا كما هي ..حسينية .. انتفخت أوداجه وبدت حمراء كغترته ...نهرني مرة أخرى قائلا: يا حقير شنهو المواضيع الي بتطرحونها في قصائدكم ؟ ..هذا وهو يستفسر عما سنفعل لم تبق شتمة لم يقلدني إياها وساما على شخصي ...قصائد حسينية فقط:قلت.. انتفض واقفا كالملدوغ ...بلى لدغته الفرعنة المزروعة في دخيلته ...(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:20 am

(11)
هؤلاء الأشعبيون


يحبون أن يكونوا باردين برودة القطب الشمالي ولا شريك لهم في برودتهم..أوتنازعهم رداء جبروتهم ...ذاك ماليس إليه سبيل ...أن تكون هادئا أمر يصدر الإزعاج لراحتهم ...قال : اجتماعكم قبل ليلتين في مأتم السنابس ماذا قلتم به ؟ أدهشتني متابعتهم لنا بهذه الدقة !..نموت جوعا ولا يدرى أجياع أم موتى؟! .. ونتضور حرمانا للوظيفة ولا يعلم عنا هل عشنا أم مشردون؟! ... وعندما يلتقي خمسة منا يكون الأمن مهددا .

أفلا أقول له الجوع يتوسدنا ليلا ويلبسنا نهارا ؟! .... أفلا أقول له أننا مشردون وأرضنا ذات خير وفير؟! .. أقول لمن؟ ..للساكن في البروج المشيدة ...هؤلاء لارتفاع ما يسكنون فيه لا يرون شخصك من أعلى ...هؤلاء أموات الأحياء ...أماتتهم النعمة وصهرهم التزلف .. فلا آذان يسمعون بها ...ولقد أسمعت لو ناديت حيا .. ولكن لا حياة لمن تنادي .

عصرت الجرح في زفرات أنفاسي وكتمت صديده ..وجرح آخر ينازعه اعتصاري .. أولئك باعة الضمير الذي يتسقطون الصغائر قبل الكبائر ويوحون بها إلى هؤلاء .. يعيشون فوق سفرة الحسين ..يشبعون من فضله ويطعنونه بخناجر غدرهم عند الخروج ...في بيوت الحسين يحضرون ..يدونون من قال وما قال ..ويلقون بها إلى من يجد لتأويلها ألف باب وباب ...ومبغوضه وجايبه بت .

أجبته بإشفاق على تعبه الضائع سدى: اجتماع لإعداد جدول مشاركات محرم ..لم ترق الإجابة لعظمته ...زمجر في وجهي صارخا :أريد التفاصيل ؟! ..في الغابة هو الاّ قانون ..كل ما ليس ممكنا يمكن أن يكون ..الدستور يكفل حرية الإجتماع بحرية .. وليس من حقه التلصص عليّ ..خلافا للدستور يريد ...ولكن من يكفل للدستور صيانته ؟!..

زمجر وأرعد وأفرغ محتواه من البذاءات وترك مقعده ..غادر المكتب بخروج عاصف لا يشبهه إلا دخوله آنفا ...بدأ صاحبي الأول في التحقيق الخفي .. قال: قل لهم ما لديك وعد إلى أهلك ...فإنهم ينتظرونك ...عد إلى زوجتك وابنك الصغير ..يتفننون في اللعب بأوتارالقلوب ...باستخدام ما أفرزه مني يحاربني ..يزيد تشوقي إلى عائلتي احتراقا ...قسوة مستخدمة بيقظة ..

يجيدون فك شفرات بعضهم ...عندما يخرج المحقق هي إشارة للآخر في لعب دور المشفق الحنون ...ينتزع المطلوب بإسلوب آخر ..ولكن هيهات فماذا تقبض يده من الهواء غير الفراغ ...عرج بي في محاولاته إلى المنعطفات التي لم يجد فيها شيئا ...حتى عاد الأخر بعاصفة مشيه ..حين واجهني جالسا على مقعده بدت عيناه الصغيرتان تخفيان مكرا مدسوسا خلف سريرته ...استل ورقة من درج طاولته ... أراحها على سطح المكتب وقال: اسمع؟ .. لكل جريمة ثلاث مراحل ..مرحلة تفكير ومرحلة تخطيط ومرحلة تنفيذ...دوّن في الورقة ثلاث كلمات ..تفكير..تخطيط..تنفيذ..بخط كبير واضح أراه وأنا جالس على الكرسي ...قال : نحن لا نحاسب على المرحلتين الأوليتين .. نحن والقانون نحاسبك على التنفيذ...وضع دائرة بقلمه حول كلمة(تنفيذ) وراح قلمه يدور حول الكلمة ويكرر الدائرة حولها .

يحاولون الغوص إلى ما قبل التفكير ..واقتحام النوايا وبعثرة أجندتها ...هذا ما علمتنا التجارب معهم..وفي النهاية لا يحاسبون إلا على التنفيذ!..مرحلة التنفيذ تبدأ منذ ابتداء مرحلة التفكير بالتأكيد ...وضح قائلا :كل ما نطلبه منك هو في طور ما قبل التنفيذ ..قل لنا وليس عليك شئ؟ ...يوهمون أنفسهم بالشئ ويصدقون وهمهم ...هم كأشعب حين أوهم أطفالا يؤدونه بوجود حلوى في أحد البيوت توزع ...فما راعه إلا والأطفال يهرعون للبيت المذكور ..حينها توهم أشعب صدق ما أوهمهم به وركض مسرعا معهم ..هؤلاء الأشعبيون يتعبون أنفسهم في صنع خرافة يقدسونها ...يكذب الكذبة ويصدقها..

نريد تفصيلا لما ستطرحون هذا العام قال..أولا يحاسبون على النية قبل التنفيذ هكذا ؟ ..ماذا عسانا سنطرح ؟ ..أصحاب الضمائر الرخيصة يأتون بالتسجيل الصوتي برسم الخدمة .. وما نقوله بالليل تعرفونه بالنهار..لستم جاهلين ولكن تتجاهلون.. وتفتلون عضلاتكم ...تتوقون لاستعراض قدراتكم علينا ..كان جوابي تكرارا لما مر في مسمعه سابقا مما أثار حفيظته وأبرز ما خلف تجمله المؤقت ...ألقى بالقلم بكامل قوته في وجهي ..قال: يبدو أنك لا تعلم أين أنت ؟! ..أنت في مخابرات أمن الدولة..

ندت من نظراته علامات الكراهية تتفلت من ناظريه كالحيوان الشرس المربوط يسعى للتخلص من رباطه ...متى كان أمن دولتنا أن نحارب في عقائدنا؟! ...وتضايق مشاعرنا وشعائرنا؟!..متى كان أمن القطيع بتنصيب الذئاب حماة له؟! ..هبنا طرحنا قضايانا في مواكبنا ...أنطارد وتسلب الراحة من أوصالنا لأننا طالبنا بأبسط حقوقنا ...(لها تتمة)



الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:23 am

(12)
لا أملك ما يسرّهم

لحظة فراغ من الكلام مرت ...دخل علينا وجه بطل جديد .. فز الإثنان واقفين قفزة الملسوع على حين غرة ...توسط الباب معتمدا على ذراعيه الممدودين على إطار الباب..عيناه أصغر وأضيق من هذا الواقف خلف الطاولة...في وجهه سيماء العفاريت..سحنته سمراء لا يمر الضياء بأجزائها ...أقرب إلى الصينيين منه إلى العرب ...وقوفهما خاضعين يوحي بسيادته عليهما ..زم بين حاجبيه وقال لي: بتعترف وإلا أجرب وياك أسلوب ثاني...لا زلت جالسا غير مقدر لرتبة من أتى ..قلت له :كل ما عندي قلته لكم ..

ذو الوجه صاحب التضاريس الناتئة أرعد وأبرق زاعقا :إذا كلمك الشيخ فقم وقف ياحيوان ...لازلنا شعبا في مزرعة ..وهؤلاء الفاشلون المعقدون ينفسون عن عقدهم في ضعفنا ...شحذت قامتي واقفا ..فصرنا أربعة وقوف ...أنا وثلاثة هم ..كالقلم بين ثلاث أصابع غلاظ ...يحاصرني الإزدراء وتأكلني الرغبات اللاهثة إلى افتراسي ...أكدت إجابتي بعد الوقوف بالصمت وعيناي مطرقتان للأسفل


دخل واقفا أمامي ...لم أصابعه في بعضها فأصبحت قبضة تنتظر من يوجهها...قذفها بقوة على مقدمة رأسي لمرات ...شعرت بالمرارة تفتتني ...كان الألم أقسى من المرارة ...ولكن مرارة الموقف تبعث ألما لا يزول ...شعر بنشوة بالغة جراء تألمي ...قال لمن أوقفني لعظمته:جيب التعليقه.

استدار وانصرف عن المكتب وتبعه الآخر يلبي أوامره ...بدى الضابط ممتعضا مني ...رأيت الفشل في كامل وجهه بارزا ..كنت السبب في فشله في انتزاع ما يسرهم مني ... وما ذنبي إن لم أملك ما يسرهم؟! ...ولكن ألا يسرهم أن أكون بريئا دون ذنب؟! .. أمرني بالجلوس بأحرف ثلجية الإيقاع .

لحظات صمت رخوة تلاحق انتظاري ..رفع رأسه من احساس الهزيمة وقال:سينتهي محرم وسنعرف ما كنتم ستقولون !..إذا سمعنا ما ليس مستقيما سنأتي بك ثانية ...بمجرد أن يستدلوا على اسمك ويعتادون على استدعائك لا ينفكون عنك...يصبحون كالوشم تكبر ويكبر في جلدك ...تركني وحيدا أقارع التوقعات وغادر المكتب .. لحظات فقط وعاد من ذهب ليأتي بالتعليقة فارغ اليدين ..وراح يدس أنفه بالنصائح المزورة والمواعظ الكاذبة ...يحسبني لا أعرف هندسة تركيبتهم ...يعطيك من الإخلاص واحدة وعشر في جيب سيده ...حتى الواحدة التي يعطيك إياها سبق وركب فيها جهاز تنصت يقيس ضربات قلبك.

عاد الضابط ثانية يسبقه أطيط نعله فوق البلاط الأملس ..جلس على مقعده متهالكا من سرعته ...سمر وجهه فيّ وأعاد كلامه السابق :سينتهي محرم وسنعرف ما كنتم ستقولون..تستطيع الذهاب حاليا..وإذا سمعنا في محرمكم مالا يعجبنا فستكون لك عودة أخرى لضيافتنا ..لم نكن نعجبكم أصلا كي يكون ما يصدر عنا يعجبكم ...وما جاء من البغيض بغيض حتما ...أنعجبكم وأنتم الورد ونحن الشوك كما ترون؟ ...أنعجبكم وفي إهاب أجسادنا الجوع وفي كتل أجسامكم التخمة؟.

أمر شرطيه المدني بإيصالي إلى حيث الحرية ...نهضت وأفكاري تبحث فيما قالوا وفعلوا ..أين التعليقة ؟..لم يشرفوني بها ..الحمد لله ..كانت تمثيلية أجادوها ..وحرب نفسية تضغط على الأعصاب وتغرس الرعب في أعضاء الجسد .

ذاك الكذب الممدوح أن يقولوا بفعل الشر ولا يفعلون ...لكثرة ما مارسوا استلال المعلومات تفننوا في أساليبهم ..ولو كان في إصبعهم خيط ضدي لكانت التعليقة من نصيبي حتما..

مشيت مع صاحبي كما جئت معه ...أبحث في الذي فات أيضا ..قال: إذا كلمك الشيخ ..من الشيخ ؟..بحثت طويلا في الكلمة ومع الأيام إتضح لي الأمر ..كان ذاك العقيد الذي شبعت من قسوته أجسادنا ..صاحب الذمة الواسعة ..صاحب الصيت الذائع في مبناهم هذا ..وهذا عرف لديهم بتسمية كل ضابط شيخ ..ولربما الرتبة الأعلى..لربما نوع من أنواع الترهيب ..لما في الكلمة من فخامة ووقع تأخذ السامع وترهبه..ولاضاعة الفواصل بينهم عليّ وعلى المغربلين مثلي والمبتلين بزيارة ذلك المكان.

وهذه فرصة صاحبي الأخيرة في تفريغ نصائحه وإسداء مودته بالتحذير ...قد يكون هذه المرة صادقا لتيقنه ببراءتي ..ومع إمكان صدقه فلا قرب بين سمعي وفمه ..جدار عازل بيني وبينه ...الكلمات الطيبة تصب من فمه في غطاء يحجزها عن بلوغ الفائدة... والذئب لايجيد دور الحمل الوديع...
في الفناء الفاصل بين المبنى والبوابة المؤدية إلى الحرية رصيف تملأه الزهور ...عبقت روائحها العاطرة في أنفي ..مررت عليها داخلا ولم تلامس مشاعري ...فما بالها لا تضوع روائحها إلا في الخروج ..بلى روائحها في الدخول محتبسة عن النفس ...بل النفس محتبسة عن تنشق عبيرها ...ها قد تنفست الزهور الصعداء بتنفسي شذى الحرية والخلاص من مبنى الخبال هذا ...مبنى يصنعون فيه التهم بمقاسات مختلفة ...ويجعلونك فيه مذنبا بصورة ما ...شئت أم أبيت ...ويبحرون بك في بحر من زئبق..(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:27 am

(13)
بوابة المتاعب الشرقية
شهر رمضان بدأت أيامه تسحب بركاتها من حولنا ...وبدى الشهر على أهبة الإستعداد للتخلص منا ضيوفا على مائدته ... في بداية الثلث الأخير والنفس مقبلة على طاعة الرحمن الإرادي ...نطوع أنفسنا للجوع ..ونقومها تحت مطرقة الصبر وسندان الطاعة .. والأرض كاسفة الحياء توقر المعربدين فوقها .. وتدوس الأنقياء بأحذية المدنسين ..

تناهى إلى سمعي رنين الهاتف ينتظر المجيب !.. أزحت السماعة من فوق صدر الهاتف ...نعم يتكلم!..ألقيت السماعة فوق سطح الهاتف بتؤدة السارحين في الخيال .. أطلع هسيس القلق مزعجاته في تفكيري ...ما عساهم يريدون هذه المرة ؟! المكتب 49 في مخابرات أمن الدولة ثانية لماذا؟.. رأسي ملبدة بغيوم الهواجس الغير مروضة ...ولم يكتمل عام على فراقهم ..سرعان ما حنوا إلي حنين البحر لابتلاع راكبيه ...أفكلما استجد في البلد سئ أمر أداروا أرقامي وطلبوني .

كل الوزارات نحن نطلبها ..ونستجدي خدماتها علها تشحذنا فضلا من خدماتها !.. إلا هؤلاء أرقامهم وهمية ..تطلبك ولا تستطيع طلبها ..تعيسة تلك الأرقام التي تخضع لضغطات أصابعهم...غدا يسفر الفجر عن مكنون خفاياهم ..وهاهي ليلة أخرى من ليالي الأرق القاتل .. ليالي وطني مكفهرة المشاعر...يسحبها الوجع من محطة لأخرى ..لا ينتهي من محطاته إلا على صبح جرح جديد.

في الصباح المستفيق من وهدة الوساوس التائهة وضعت جوازي في مخبأ البانطلون ...أعناقنا مطوقة بجوازاتنا ..محاصرون ببضع أوراق ..كرامتنا مرهونة بها ..وبها تعنون هويتنا ...مجموعة أوراق مصففة تجعلك مكرما حينا وحينا آخر مسلوب الكرامة ...مع أنها ساحة لسكان الأرض أجمعين.

وصلت بوابة المتاعب الشرقية ... بلى هي شرقية ولكنها تدخلك في غروبها ...أجريت الروتين المعتاد لدى الحارس ...ألقاني في الانتظار مدة مهما قصرت فطولها يقطع الدروب الطويلة ..لست الوحيد اليوم هاهنا ...يبدو هناك آخران ...جالسان أمامي في الحجرة الضيقة ...نقتات الصمت ويقتاتنا.

أعيننا تدور في أوجهنا وأفكارنا تحوم في مصائرنا ...نعم هنا الداخل مفقود والخارج مولود .. هنا برغبة طائشة تكون مذنبا وأنت كاذب وهم صادقون! ...ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ...حتى يراق على جوانبه الدم..طوبى للمستمتعين بجو الحرية خارجا ...يعبرون الشارع بسياراتهم وأعيننا حبيسة في أجساد شبه موقوفة .

بعد انتظار كلفته باهظة من شحنات الوجل المشتت شاءت تكرماتهم عليّ بالفكاك ...جاء مرافق آخر غير السابقين ...ببدلة وربطة عنق مخططة بخطوط مائلة زرقاء في خلفية سماوية..كي لا تألف الوجوه ..وإن كانت غير أليفة ...يجودون عليك في كل مرة بوجه مختلف ...يزيدك إحساسا بالاختلاف...ويزيدك وجهه نحسا كلما زدته نظرا .

صاحبي هذا يتأنق في مشيته ويتهادى إلى اليمين واليسار ...كالمرات السابقة عبرنا إلى الأعلى ...أجلسني في مكتب آخر ...فيه اثنان يتحادثان ..يرويان النكت لبعضهما ...يضحكان بحذر تكشفه أعينهما المتلصصة على الباب لمرات ...

لما توردت البسمة الخفيفة في ثغري لنكتة قالها أحدهما ..قطب وحول وجهه إلي وقال : ليش تضحك؟!..وأدت البسمة في ثغري .. ودفنتها في أعماق سحيقة الغور ..البسمة حرام علينا ...حلال عليهم حرام علينا ..وباؤهم تجر وباؤنا معطل جرها .. مشاعرهم رقيقة تملك إحساسا يتعاطى مع النكات ...أما نحن فمشاعرنا جافة وليس لها إلا التعنيف والتبكيت والتهديد.

عاد صاحب البدلة يدعوني..غادرت المكان تاركا أصحاب المشاعر الشفافة يتنعمون بالتندر طويلا ...نظراتي تقول وهي تخزهم :اضحكوا قليلا وابكوا كثيرا ..تستكثرون على قلوبنا التنفس بالراحة مادامت في شباككم.. فماذا أقول غير عداوة وضيقة عين ..

متمايلا على الصوبين في مشيه صحبني...مشى بي إلى قدري المخبأ في أحد مكاتبهم الكثيرة ..في نهاية الممر ..المكتب في الزاوية ..ليس المكتب 49..إنما هذه فروع تعمل بوحي من 49 ..قرع الباب بلطف ليس كما تقرع أبوابنا ..أدخلني في فم الخطر وولى منصرفا ..بقيت واقفا أمامه انتظر تكرما يجود به عليّ للجلوس ...حين تصبح الحقوق تكرما ...فما يدريك أنك تنالها دائما .

ولم يتفضل برفع رأسه من أوراق مكومة بين راحتيه...حركة يعتادها المرضى ...يتعمدون الإنشغال عمن أمامهم ليظهروهم بأذل صورة ..أما هم ففوق ذلك بكثير .. وليكن هذا فأنا أعرف بنفسي ..لو بقيت الدهر كله هكذا لا بأس على أعصابي ..من الخطأ استخدام الأسلوب قبل فحص الطرف الآخر!..هل ينفع معه الأسلوب أم لا؟!..والعيب كل العيب في من يستخدم خزنة من زجاج تبدي ما يراد إخفاءه ...لا يعرفونك ولا يريدون معرفتك ...ويدعون معرفتك ويكابرون.

سحب من الأوراق رأسه للأعلى ...قابل وجهي بوجهه الطويل ..وجه طويل في قوام طويل...طول في طول...سألني الأسئلة التقليدية لديهم ..يتصنع اللطف في مخاطبتي ..ملازم ذو نجمة واحدة ..يحك أطراف أظافره بأظافره...ثم شبك أصابع كفيه في بعضها وإبهاماه في مقدمة فمه ...فتح إضبارة زرقاء ممتلئة بالأوراق ..يدي تتحسس الجواز في جيب البانطلون الخلفي..(لها تتمة)


الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:33 am

(14)
فخ الأكاذيب
قال:أين كنت في تاريخ 18 فبراير الفائت ؟...غصت في أمواج بحر ذاكرتي علني أجد شيئا ..قلت له:لا أتذكر!..هبطت إجابتي عليه بردا وسلاما ...كأنه كان بانتظارها ..تهللت تقاسيم وجهه فرحا ...قال: وأين كنت بتاريخ 15أبريل ؟..عبثا أحاول البحث عن ذاكرة تحفظ تحركاتي بكيفية ما يريدون..

قال وأساريره منفرجة كقائد حقق ظفرا على جيش عظيم... قال:نحن سنذكرك بما لم تتذكره ! من الجميل أن ذاكرتنا تتناسى الكثير ...ويذهب مع كثير ما نتناساه كثير مما لا نود نسيانه ...نحن بطبعنا نضع محتويات ذاكرتنا في الغربال .. نصفي محتوياتها كي لا تثقلنا وترهقنا بندوب لا تزول وفي النهاية النسيان نعمة.

قال : في التاريخ الأول كنت في اجتماع في بيت عبد الأمير الجمري ...وذكر في التاريخ الثاني التقائي بشخص ما على ساحل البحر...في أمثالنا نقول أقعد أعوج وتكلم عدل ...وحضرة الضابط هذا يعمل بخلاف القاعدة تماما ...يحاول اصطيادي بحشو الكلام وتلفيقه ...راق له سكوتي يزودني من أكاذيبه ..ولكن وشت بي ابتسامة صغيرة جدا طاردها في وجهي.

أدرك إحساسي بسخافة ما يقول ..لكنه يريد ردا !..أجبته بلسان بالغ الحجة ...إذ كلما كان خصمك كاذبا كنت أقوى لوجود الثغرات في جبهته ...قلت أولا: لست ممن يرتاد بيت عبد الأمير الجمري ...ثانيا: الشخص الذي ذكرت التقائي به عند ساحل البحر شخص لا هو ممن يشار له بالأنشطة السياسية ...وهو ممن يتعاطى الخمر ...وليس لي علاقة بأمثال هؤلاء ...فكل ما ذكرته محض افتراء لا غير.

أراد إيقاعي فأوقعته في فخ أكاذيبه...عقدت الإجابة لسانه ..لكنهم لا يلقون أسلحتهم بسهولة فأسلحة الخبث والمكر والدس وغيرها بدائل ...لابد من المكابرة ..قال بحنق ظاهر:هذه أمور ثابتة عليك ..يا ويلنا من هؤلاء يخاطبوننا بحجة القوي على الضعيف ..كل حجة تأتي بها باطلة ..وكل مدعى منهم حق ...فأين السبيل مادام خصمك هو الخصم والحكم.

إفترضنا ثبوتية ما قال.. أين التهمة في ماورد ؟..منذ تلك الأيام والجمري صخرة جاثمة على صدورهم وكل ما يواجهونه يعزونه إلى شخصه ...الجلوس معه مغامرة والإلتقاء به يشكل مؤامرة ...الأحمق يأكل بالسكين عوض الشوكة وعندما يُجرح يكون المذنب طاهية الطعام أو صانع السكين...

أكدت كلامي قائلا : لاعلاقة لي بكل ما ذكرت لامن قريب ولا من بعيد ...كنت مطمئنا إلى هشاشة دعواه ..إنه يحوم حول هدف آخر..كانت مناورة منه..لكنها مناورة هواة مكشوفة ..أقفل الإضبارة الزرقاء وربت عليها عدة مرات وقال: كل ما في هذا الملف يدينك ويكلفك عقوبات تصل بك إلى أن لا تخرج من هنا مدى الحياة....كان صادقا فبمثل هذا التلفيق من يستطيع قول لا؟!..لم يكن ذكيا بالقدر الكافي ..لربما كان من آخر الناجحين في كليته ؟!..

الإضبارة لأول نظرة لها تلحظ على الأوراق المحشوة فيها أوراق بيضاء وجديدة ...بل وليس مكتوب بها ..مجرد ملأ مساحة الاضبارة .. أين يدرس هؤلاء؟..وكيف يصبحون في هذه المراتب بأداء ضعيف هكذا؟ ..أما النابغين فنصيبهم الحرمان والشقاء ..ونصيبهم أن يدفعوا فواتير الفاشلين من راحة بالهم ..كان عليه ملأ الملف بالأوراق المأهولة بالكتابة ليكون الدليل ناهضا على الأقل...

أخلص من دسائسه جهة ما .. ويراوغ بكلامه طرفا آخر ...أصبح كقطعة الصابون بأي طرف منها تضغط تفر منك ...فهي ملساء تنزلق تحت الأيدي ..أسرف في الترهيب الغير المحكم ..عبر الكلام سألني عن الجواز هل جلبته معي ...سحبت الجواز من جيبي الخلفي بعنفوان التحدي سحبته دليلا على هويتي ...ويح قلبي هويتي تتقاذفها الأعاصير ...مهددة بالسلب والمصادرة .

أضنته المحاولات كما يبدو ...أوأن المكتوب عليهم التمتع برؤيته مجبرين كثيرون ...بعد الإتهامات الخاوية تلك صرفني على أن أتواجد غدا لدى البوابة باكرا في الثامنة ... نحن الإثنان طبعا الجواز وأنا ...رجعت إلى بيتي منصّفا نصف أسير ونصف طليق ...كالنسر مخلبه في الفخ وجسمه طليق ...لكنه مقيد بمخلبه .

في الصباح التالي كانت الثامنة صباحا تعبر على جسدي عند بوابتهم ...ساعات ثلاث سحبتني على دقائقها وثوانيها في حجرة الإنتظار الضيقة ...يقتلون وقتك بقتلك ..ويقتلونك بقتل وقتك..إذا كنت رخيصا كان وقتك أرخص ...حتى اكتفى من ذبح وقتي ومثلت في مكتبه ..اصطنع ابتسامة ميتة ..وقال: لعلك فكرت ورأيت الإقرار بما صدر منك ؟ ..تبادر إلى خيالي صور مكاتبهم ..وفي كل مكتب متهم ..لم يفعل وإنما عليه الإقرار ..هذا لا يعني عدم وجود من فعل شيئا ما ..بلى هناك من يقوم بما لا يرغبون ...وعليك أن توجد العرش ثم تثبت النقش .

أجال بصره بفتور في قوام جسدي ...أنزلت جوابي بغيظ خفي وقلت: أفكر بماذا؟!..لا علاقة لي بما ذكرت ...نكت بأصابعه فوق ذقنه متأملا وقوفي وثقتي بإجابتي ..أزاح الملف الأزرق براحة كفه اليسرى وقال: يمكننا أن نجد حلا آخر!...نستطيع نسيان كل هذا الملف الضخم وتسوية الأمر بطريقة أخرى ...آذاني مصغية لكلماته ...لقد دقت ساعة الصفر ..وصلنا إلى بيت القصيد ..لم يكلفني مشقة السؤال ...استرسل في مسلسله الفاشل..قال:سننسى ما صنعت مقابل تعاون بسيط.

تفتحت المشاعر لدي بانتظار العرض السخي الهاطل من سعادته ...ترك مسافة فارغة من الكلام يجس بها نبض تلهفي للخروج من جحيمهم ..كان يريدني متحمسا لسؤاله ...خيبت أمله بصمتي ..ابتلع غيظه ..ففي طور الترغيب لا يريد تكديره بمفردات ترهيبه .

قال: مقابل تغاضينا عما هنا..وأشار للملف ..نريد تعاونك باتصالات يسيرة عما يجري أمام عينك وما يمر في مسمعك...وتكون أسديت إلى وطنك خدمة جليلة...صاعقة أنزلها عليّ قبل ختامه ...تعسا للغباء يجر أصحابه للمهالك ...ينهضه من شر وبيل إلى بلاء مبرم ...كالساقط في هوة غورها بعيد لا يزداد سقوطه إلا بعدا عن النجاة وتوغلا في الظلام ..مرة أخرى أقول من يعلم هؤلاء ؟!..وكيف يؤمل منهم نتائج تخدم الوطن ؟...

يخيفني بحلم مخيف ويريد انقاذي بالهروب منه إلى الوحل الراكد في الحميم ..فما عساني أقول لهكذا أشخاص ..أقول أوردها سعد وسعد مشتمل...ما هكذا تورد يا سعد الإبل ... لو أنك أدنتني فعلا بما اقترفته ...كان بإمكانك أن تساوم وكما نقول :تجودني من الإيد إلي تعورني..ولكن والأمر محض ادعاءات فصفقتك خاسرة من الجولة الأولى ...(لها تتمة)



الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:37 am

(15)
يكذب ويعفو كاذبا

في شهر الله يكذب ويعفو كاذبا ...وفي شريعته جائز هذا ...فالضرورات تبيح المحظورات ..مادمت مارقا بانتمائي ...يريدني أذنا بين المتكلمين ...وعينا تدون لفتات الأعضاء ...وفما يبوح بحصيلة جوارحه ...يريدني متعاونا مع الوسواس على اليقين...وجابيا لحصائد ألسنة الغافلين.

أنهى الموقف ببضع كلمات اقترفها فمه : موعدنا غدا في الثامنة صباحا ...أنهى دوامه بصرفي من مكتبه معلقا بالغد...الصباح التالي كالصباح السابق ...وصول فانتظار طويل فدخول ...ألقيت رحلي بمكتبه متذمرا من سوء ما يلاقي به المواطن ...استقبلني فاتحا شدقيه يسألني :عساك أخذت فرصة كافية للتفكير؟...حقا رد أقبح من فعل ...ولا عدمناها من فرص تضيع أوقاتنا...تقضون دوامكم بإضاعة أوقاتنا ومحاصرة أرزاقنا.

أفرغت صبر ثلاثة أيام في الرد على سفاهة ما أراد ...قلت :لا يمكنني العمل بما أردت لثلاثة أسباب ...أولها أني لست من ذوي الحضور الفعال في الجماعات والمآتم ...وثانيها أنك تطلب مني أن أكون كالذي جاء لك بالتهم المنسوبة إلي وهي افتراء ..وهذا لايمكن ..ثالثها وأهمها ما تريدني القيام به لا يوصل لغير السعير في الآخرة...ولست ممن يطمح لها بسبق الإصرار والترصد .

إشرأبت عنقه الطويلة بعد انتهاء كلامي ...كنت أنتظر عبوس وتقطيبة وجهه...لكنه خيب ظني وكان هادئا ...الهدوء والغضب كلاهما مصطنعان...مصبهما واحد..فإجراء أي منهما سهل يسير .. عقب على قولي محاولا نقض حججي !..قال: لن يكلفك التعاون معنا شيئا ..سأعطيك رقما تتصل بي عند الحاجة من أي هاتف عام...وستتلقى مكافأة مقابل تعاونك طبعا ..وستلقى تسهيلات في حياتك بصورة عامة..

هكذا إذن لا يكلفني التعاون شيئا ..ولا يوقد في آخرتي نارا بإيقاع الغافلين في مخالب لا تعرف فينا بريئا...لو أني أجاريكم فليس بمقدور مياه الرافدين إطفاء نار خطأي..أعلم أنكم تشطبون (الله) من حساباتكم في كثير من عملكم ..ولكن بأي حبر وبأي يد أشطب ضميري المشبع بالمبادئٍ ؟..إصبعي التي تدير أرقام الوشاية أقطعها ولو كانت آخر إصبع في جسدي ...أهاتف الشيطان من أجل ماذا؟!...لكي يصنع من الأبرياء مذنبين يترددون على مبناكم فيتعبون .

أي مكافأة تساويني ثمنا ...أبيع الدنيا والآخرة بصفقة واحدة ... وعلى مفلس منهما...بلى مكافأت تجرجر أمثالي ...وما هو جوهر تسهيلاتكم إلا رفع تعقيداتكم عنها..فتصبح تفضلا يتطلب مني تقبيل أياديكم السوداء المطلية بالأبيض... يحسب عرضه أغراني فرحت أخيّر نفسي كما خيّرها ابن سعد بين الجنة والنار ...لم تخيروني كما خيّر نزار محبوبته بين الجنة والنار ...خياراي كلاهما نار ...نار أنشأها إنسانها للعبه ...ونار سعرها جبارها لغضبه .

أجبته بالرفض القاطع بالكلام وبحركة الرأس ...ويبدو أن رفضي كان قاسيا على سيدي الضابط فتأججت زوبعة غضبه الحقيقية ...فطعنتي نجلاء في صميم كبريائه... فدمدمت مردة وجهه وشتمني صارخا : بخليك تعبد هالمحل عبادة..أجل عبادة المجبرين .. تكبيرها صغار ... وقراءتها صمت ...وتسليمها إذعان ..

خرجت بصاحبي من أدخلني على موعد في الصباح القادم أيضا...أنى لنا وخدمة أوطاننا والخفافيش تحلق فوق رؤسنا ...أفلا يُشفق على أعمارنا الضائعة في الإنتظار المدبلج ...الأيام التالية كان دوامي في حجرة بوابتهم بدون راتب ...من الصباح حتى نهاية الدوام ...عند الظهر يطلقون الحرية لي في العودة إلى بيتي ...أيام مضت هكذا ...نحن الإثنان أنا وجوازي .

عند الظهر أخبر الحارس برغبتي في الذهاب للصلاة في المسجد المجاور ...الحارس لا يمانع ..أحد الحراس حين استدرت للخارج وقعت عينه على الجواز ناتئا من جيب البانطلون الخلفي ...ناداني وطلب مني العودة والجلوس في الحجرة ...إن كانت الصلاة فرضا فيمكن تأجيلها ...أما أمر الأسياد فلا يقبل التأخير ...الطاعة تقضي عليه المشي على الطريق الخطأ ولو عرفه ...الجواز كالمرافق السيئ الصيت برؤيته بصحبتك تبعث الشكوك فيك .

بجوازي قمعوا الصلاة ...وعدت أقضم تشكيا يسرح ويمرح في صدري ...بهذه الأوراق المغلفة بالجلد الأحمر تكون إنسانا أو لاتكون ...بضع وريقات سعرك فيها ...بهذا العذاب من الذهاب والإياب يقيسون مدى التحمل .

أفضيت بمكنون لواعجي إلى أحد الكبار في المؤسسة التي أنجز لها أعمالا خطية ...يداه واصلتان ويعرف هؤلاء ...تبنى معالجة الأمر بحبل الود من علاقته ...حقا بعد مبادرته سكن أوار ملاحقتهم .

في النهاية أعتقتني الأقدار بيأسهم ...وأعفوني من عبادة رؤيتهم ..كانت محاولته كالمطلق سهما إلى هدف لا يراه في غلس الظلام ...بل هو كالمطلق سهما في وضح النهار ...الهدف في جهة وسهمه مصوب إلى أخرى ...شكرت ربي على ألطافه المديدة ..شكر الناجي من أجل محتم ...وأي أجل ذاك شباك إبليسية مزروعة في كل خطوة ...أي الخطوات تنجو منها ...في ذلك الشهر الفضيل كانت محاولاتهم تتعدى لتصل إلى الكثيرين .

كما فبركوا قصصا وهمية لي صنعوا معهم ...حتى طلبة العلم طمعوا في تجنيدهم لحساب جهازهم ...كان شهر رمضان صوم إلهي وإفطار روحي ...كثيرون مرت بهم المحنة وخلصوا منها بسلام ...وكثيرون حملوا على كواهلهم تبعات ظلم الأبرياء وشاركوا في صفعاتهم ...وعدت فاقدا لمبلغ من المال يبدو سقط في أول يوم عند إخراج جوازي في مكتب الضابط ...وهل أنتظر اتصالا يدعوني لاستلام المبلغ الضائع ...أم اعتبرها دفعة بله....(لها تتمة)

















مشاركة: أيام في ذاكرة الوطن


(16)
إحساس رمادي
قضينا واجبا علينا تجاه ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) .. قلوبنا ضارعة في حرم حبه ...محلقة في أجواء ذاته الجاذبة ...إذا كان الزعماء يهفون للسيادة فلتكن كسيادة هذا ...السيادة التي لا يحدها مكان ولا يغيرها زمان .. وكأن عشقه قطرات ماء منحدرة من شلال ..لا انقطاع لتدفقها ...السيادة التي ينازعه عليها الملوك عبثا ...هم يتجملون وهو الجمال ..وهم يجودون بحدود وهو يقتلع الحدود كرما ..فديته من خالص أخلص بذله فأخلص الله له قلوب المخلصين.

طفلتي الصغيرة لتوها أنهت جزءا من الشهر من عمرها في دنيانا البائسة...في شهر صفر من العام 1993 كانت ولادتها ...أناغيها فوق صدري ...تيمنا بالزهراء والدة من أربعينيه بهذا الشهر أسميتها فاطم ...لا ينحسر شوقي لرؤيتها بخروجي ..تسحبني رجلاي إلى مهدها عند كل دخول ...أرقصها وابتهج بنظراتها البريئة ... وعندما تغفو ترتاح السكينة في أعماقي ... في ملاعبة طفولتها ضالة راحتي عند أخر كل نهار.

أربعة أيام لم تنقض منذ الأربعين إلا ورسول الشؤم يلقي بأمر استدعائي لأصحابي الذين لا ينسون صاحبهم ...رؤية ورقتهم تكشط شراييني وتصادر رواء عيني ..ما عساهم ينسجون من قسوة هذه المرة ...وأي المرافئ يكون مرسى إنزالي في سفينة قرصنتهم..

لعل أعينهم رصدت موكب الأربعين فأبصرت فيه الزخم الجماهيري المتدفق ...وأبصرت فيه كلمة حق جاهرة ...نعم قصيدة الأربعين بنص واضح سفهت الشاه وسياسته ..وعرضت بالطغاة من طرف بارز لا خفي ..وأشادت بعقائد الشيعة وقوتها في استقطاب المفكرين المحقين كالتيجاني ..لعل القصيدة زفت قلقا إلى المتنصتين والمشتاقين إلى مكافأتهم عقب كل مكالمة يشبعون فيها من البهتان والزور .

بجواز سفري المرهق من حله وترحاله إستقليت سيارتي وقصدتهم...إحساس رمادي يعربد في أضلاعي ويعكرها بخربشات مخاوفه ...بعض الأحاسيس صدقها ناصع لا يشوبه وهم ولا شك ...بهذا الإحساس قطعت الشوارع قاصدا إليهم ...قصيدة وفاة الرسول بحوزتي ...لابد من إخفائها .. لعل طارئا ما يكون ...التوكأ على الحذر خير من الانزلاق في الحفر .. من جيب قميصي أخرجتها ...دسستها أسفل مقعد السيارة بإحكام .

تلك من مضحكات الزمان ...قصيدة لا تحمل ما يشكل حتى جنحه وتخفى ..بلى إخفاؤها أنفع من التباكي على مصادرتها ...سيارتي ركنتها خارجا أمام البوابة ..وها قد عدت إلى حاجز المصائب المجهولة ...كمقبل على عملية جراحية تلعب به الشكوك ..وتقهقه في داخله الوساوس بأراجيفها .

أنا كما كنت وهم كما هم ... مبرمجون برمجة ثابتة لا تتغير إلا بضوابط معينة ..حركاتهم محسوبة بالمليمتر كأجهزة الحاسوب ...تنجز المجهود الجبار ولا تدرك خطأ معنويا ... هم كذلك.. من البوابة للأعلى كسابقاتها ... يختلف المرافق وأنا القاسم المشترك .. وبالطبع هناك مرات لا تعد هو القاسم المشترك وغيري كثيرون ..

في مكتب انتظار مختلف أيضا أبقاني ...على الكرسي جلست واثنان منهم يحرساني ...يرصدان أسراب القلق في الوجه ..وبادرة أي ارتعاش في الأعضاء ...يموهان علي بانشغالهما في الكلام ...يبوحان بما نبوح به ونكون طوال الألسنة .

ضجران من رواتبهم في الداخلية وزهادتها ويحسدون أولئك العسكريين في قوة الدفاع ...يفضفضان وعني لا يغفلان ...يرون أنفسهم أسخياء في جهدهم تجاه عملهم أكثر من أولئك ... والراتب لا يسخو معهم برغم هذا ...ضحكت في سري ..فهم لا يحبون الضاحكين !..تذكرت طرفة هي التي أضحكتني .

الطرفة مفادها أن طفلة من ذوي الثراء... والمولودة فوق ريش النعام خرجت بصحبة والدتها تتسوق بذخا ..بطريق عودتهما لمحت تجمعا على أحد الأرصفة يحملون لافتات مكتوب عليها لا نملك خبزا نأكله ..عجبت الطفلة من العبارة ...توجهت لوالدتها مستنكرة وتقول:لا يملكون الخبز ليأكلوا الكعك إذن!..

إننا نعاني الفقر وانعدام الأمن ...ياهؤلاء لم تصهركم الحاجة والجوع! ...لم تهشم أبوابكم ليلا! ...لم تظللكم الجدران المتهالكة! ...ولم ترقد المرارة في حلوقكم! ...أقواتكم من لحومنا وتضجون بالويل والثبور ..ما يقول المهشمة قلوبهم جراء بطشاتكم ؟..

أطل علينا أحد الوجوه التي ألفتها ربما ... حدق في جلستي ...عنفني بغلظة آمرا بالتعديل في جلستي ...ينتقصونه بالتوبيخ والتهزيء ...فأين يبصق ضعفه ؟!...في المذنبين بكل الأمور والأحوال ...أصمتا ضجة تبرمهما! ..صدف بوجهه عنا يبحث عن متنفس آخر ...

جاء من يطلبني ..وحانت لحظة كشف الستار عما يخبئون لي ..كل البلاء من مكتب 49 والمكاتب على جوانبه تقطر بالفضائل علينا ...مثلت أمام ملامح وجه جديد ...فارع الطول بقميص وبانطلون ...أتم حصيلة الأسئلة الأولية ...يسخر من لقبي ..يشدد ضغطه على لسانه ليخرج الكلمة ...من لهجته لا يبدو بحريني الأصل ...قضى عقودا في جو وطننا ... وما زالت اللهجة الأردنية غالبة في لسانه ..(لها تتمة)




[/center]

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:54 am

(17)
شفرات القصائد المبطنة
أسفاه عليك ياوطني تستورد العوسج في حدائق الياسمين !.. راح يتذاكى في ألفاظه وكلماته .. يريد إشعاري بمعرفته التامة بتفاصيلنا المذهبية ...يحفظ أسماء تيارات متعددة ...استرسل في التعداد كالببغاء ...رباه سئمت من الوقوف قبالة المتذاكين بلا ذرة نباهة.

قال : نريد أسماء اللجنة التي تنظم مشاركات الموكب ...في ظل انعدام القانون وتبخر المصداقية الصدق لا يكون نافعا معهم ..ولا يمكنني الإفصاح عن أسماء المشاركين في جدولة الموكب ...فماذا سنجني من إعطائهم أسماء أخرى سوى مزيد من التحقيق للآخرين ؟!.. والحكمة تقتضي الخروج بأقل الخسائر ...إن كانوا توصلوا لمفتاح البيت فالأولى أن لا يحصلوا على مفتاح الخزانة...والحقيقة الكبرى هي كما صرحت له بها .

أجبته بعفوية وصدق : أنا وحسن أحمد من نقوم بتنظيم الجدول ..قبض على الإجابة بلهفة وعقب قائلا : من الرئيس ؟... ومن نائبه؟.. يظنوننا كما هم! ... نبحث عن صدور الأمكنة ...نملأها بأشخاصنا ...لم يكن الواقع غير أننا متظافران على إنجاز الموكب بدون رئيس ونائبه ... لكنه يبحث عن التفاصيل !.. والشيطان يكمن في التفاصيل ..نفيت وجود هذه الرتب بيننا ..أصر على طلبه وألح على أن أحدنا الرئيس والثاني نائبه .. بقيت المسألة معلقة بذهنه لا يبارحها إلا ويعود لها ...عندما يُطلب منه بالأعلى العودة بدقائق الأمور لا بد أن يعود ممتثلا بالمكاسب المرجوة .

يحاول إضفاء مسحة الدين على حديثه إلي ...واستمر على سجيته التحقيقية يفتش في الزوايا عله يحقق فتحا ...رصد أسماء كل الرواديد والشعراء ودونها في أوراقه ... أراني تجهما مصطنعا وقال : نحن نعلم كل شيء عنكم ... وانما بمزاجنا نتغاضى عن بعض الأمور... يصلنا كل ما تقولون ... ونتمكن من فك شفرات القصائد المبطنة ...لكننا نغض الطرف عنها برغبتنا ولا يعنينا إلا الكلام المباشر

سبحانكم وأنتم تعلمون كل شيء !..هذا وأنتم تعلمون كل شيء لا يمر عام إلا وتعتدون على راحتنا متلككين ...لو لم تكونوا تعلمون كيف يكون؟!.. حتما ستنصبون مكاتبكم في بيوتنا ...بلى ويفرحنا أن تعلموا عنا كل شيء لنعيش الأمن ...ولكن أتعلمون الحقيقة أم تزورونها ؟.. أترسمون الحقيقة ناصعة أم تلوثونها كما تشتهون؟.. بلى ويسرنا أن تحيطوا بنا علما وشهاداتنا في براويزها مهملة لا تغنينا!..

جميل ما دمتم تعلمون كل شيء فما بالنا نشقى باستدعاءاتكم التي لا نفاذ لها ؟!... أفلا ينالنا من الشواء إلا حرارة ناره ودخان موقده ؟... أفلا تعلمون أننا نُسرق ولا نجد سارقنا ؟..أفلا كان علمكم حاضرا؟! ...تتحسسون الكلمات فوق شفاهنا ولا تطببون جروحنا بعد نزيفها !.. وتوقدون النار في شتائنا لإحراقنا لا لتدفئتنا ..هذه ناركم فانتظروا نارنا عند عدل حكيم ..

نادى أحد معاونيه وبإشارة من يده أخذني خارجا إلى مكتب آخر ...مكتب صغير جوه صقيع ...الجو صائف وهذا المكتب جوه قطبي ...بانتهاء كل خمس دقائق يستبدلون مرافقي الجالس بقرب الباب ..عذاب جسدي يتولى المكيف تنفيذه في عظامي... في جلباب من التصبر وضعت نفسي ...لا تنتهي حيل الشيطان ...مخابئه مليئة بالمزيد من أساليب المقاتلة النفسية ...يتمنون رجاءا من فمك يجرونك منه إلى ما يريدون ...أخيرا تبخرت أمانيهم في تذلل يندّ من شفاهي يستعطف صقيعهم.

أعادوني للمكتب السابق ...وجدت وجها آخرا يتربع بجسده فوق المقعد خلف الطاولة ...نهض من مقعده متوجها إلي ...وشت به عيناه بما يحمل في ضميمة نيته ... دنى مني وأزفت لحظة الشر الدفين ...استل يده من جيب ثوبه الأيمن ...واجهني وقال: ألن تخبرنا من رئيس اللجنة ؟..صعدت كفه بصفعاتها ترسم أثرا دمويا في الجانبين من صفحة وجهي ..تواطؤ طبيعي بين قلبه الميت ويده الجانية..

بدت الخطوط الحمراء مطبوعة في خدي بعشوائية تشبه عشوائية تحقيقهم ..يدي أسعفت خدي بمسحة عميقة ..الحرقة تكسوني وتطبع خطوط شفارها في مهجتي ...أفي محاكم التفتيش نحن؟.. عن رئيس لجنة موكب يبحثون !...كأنهم يبحثون عن رأس مدبر لانقلاب ! بقدر ما أرى الأمر تافها يرونه عظيما .. أتذكر أن دستورنا يضم مادة من مواده تكفل للمواكب حق الخروج وللمعتقدات الدينية حرية الممارسة ...ويبدو أن المادة حبر في ورق الدستور ... لا يقدرها هؤلاء ...إما أن تكون المواكب ممنوعة فأزيلوا بعضا من مواد الدستور ورمموها ؟!... وإما أن تكون مباحة !..فبم نسمي ما نعانيه من حماة أمن الدولة ؟...أيها القانون إصدع بضوابطك في وجه من يخترق كل مادة فيك بطمأنينة شرب الماء...

كشر عن شدقيه بكراهية وقال: يوازك يبته وياك ؟ ..ياهذا الجواز المسلط على أعناقنا كالضمة لا تبارح الفاعل ..فراقها عنه تبقيه مهملا وعرضة للوهم ...انتزعته من جيب البانطلون ووضعته في راحة يده لا أراحها الله من سعير جهنم .

ألقى به فوق الطاولة ...انصرف وعاد المتذاكي بصحبته آخر ...أشار له بأخذي معه ..وها قد اعتقلوا الجواز بعد تردده عليهم كثيرا ...وأودعوه الأدراج المغيبة عن الحضور .. في دهاليز ضيقة معقدة مر بي حتى وصلنا مكتبا في الزاوية ...يبدو أن كل مكاتبهم تفضل الإنزواء في الزواية ...فالزاوية خير مكان لكشف البعدين الواقعين بينهما... مكاتبهم تجيد ترتيب وضعها مثلهم...(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 2:58 am

18) ( 18
سيد المتذاكين
أمام ستارة أوقفني وأمام مصور لا يبدو إلا أسيويا يجيد العربية وما أكثرهم ...ولعله يمتلك جوازا أفضل من جوازي...التقط لي ثلاث صور ...واحدة أمامية واثنتين جانبيتين ...ولا أتذكر إن وضع أرقاما أسفل قامة وجهي أم لا؟!...كما نرى صور المجرمين في الأفلام .. ما أخطرنا ونحن لا ننتزع قلامة ظفر من مضطهد .. أنهوا تصويري من كل الجهات ...وليتهم بادروا بتصويري بعد صفعات أيديهم المسعورة مباشرة ...ومن مكتب لآخر ينقلني وأنقل أقدامي وحدسي يحدثني بخطر ما يبيتون ..

وحجرة أخرى العتمة كابسة على أنفاسها . ..أخذ من أصابعي العشر بصماتها .. أضع كل خمس أصابع مفردة في بقعة سوداء تدهن أطراف أصابعي بلونها الأسود الكئيب ... وأطبع كل إصبع في مربع خاص .. يعبئون الملف ويحشون فراغه بما ينبغي ...فكيف يحمون الأرض من مكدري عيشها وملوثيها بالإضطراب ... لعلهم نسوا أصابعا عشرا متوارية أسفل الرجلين ؟!..

ولى نصف النهار ولا زلت من قبضة لأخرى ... غبش على الرؤية ولا يظهر حقيقة ما يريدون ..فهم يتقافزون بأسئلتهم ..ولا يمكنك تشخيص إلى ما يهدفون بالضبط ..يخلطون التهديد بالتشويق بما يجيئون به من عندياتهم .. فليت قولي كيف تعرف ما يطلبون ؟!..كالطفل في متجر الألعاب ..كلها تعجبه ويريدها ...ينتقل من لعبة لأخرى .

أعادني لأول ما كنا .. المكتب الشاهد على كرامة المواطن ...عدت وأصابعي مخضبة بخضاب أسود بسواد الوحشة .. وفي وجهي ومضات أضواء كاميرتهم كالخربشات لا تريح ولا تستريح ...عدنا إلى سيد المتذاكين ثانية ...قال لي هل جئت إلى هنا بسيارتك؟.. قلت نعم ..نادى أحد المخولين بامتثال أوامره ... قال له : إذهب معه ليدخل سيارته في موقف سياراتنا ...وبعدها للمستشفى.. وأكد عليه قائلا : وبسرعة لحين ما أتجدد وأؤدي الصلاة...

جميل أن تجد الصلاة لها متسعا في صدرك الجاثم على أوجاعنا ...وأجمل منه أن تكبر داخلا حرم الصلاة ...الله أكبر أم غرور الأيام الفانية ؟... أي صراط تسأل ربك الهداية له؟... أصراط الثعالب والذئاب ؟.. ليتني أطلع على وساوسك لأقيس مداها وأرى هل ينفث الشيطان فيك وساوسا كما يحاول النيل منا ؟..أم لا يستطيع اختراقك فأنت بقوة ألف شيطان؟..

اصطحبني معه للأسفل وثورة الريبة عارمة ...هاهو النهار يتخلص من نصف ساعاته ولا زالت أياديهم متشبثة بي ...لا يبدو اليوم كالسابقات !.. اليوم أي نوايا يبيتون؟.. أدخلت السيارة في مواقف سياراتهم...وأخرجت نفسي من أمل الخروج من قبضتهم ...تحت شجرة وارفة الظلال أقفلت سيارتي ...مطمئنا لعدم اقتراب حرارة الشمس منها ...وأصبحنا ثلاث رهائن بعهدتهم ...الجواز والسيارة وأنا .

عند موقف السيارات بالقرب من سيارتي انضم لنا ثالث منهم ...أركبنا في سيارته ..وتحرك بنا غير بعيد في منعطفات القلعة ...عند بوابة مستشفى القلعة العسكري أوقفنا ...أقلب طرفي في مستشفاهم ..الحركة فيه حية نابضة .. تطل في عيني كل سحنات البشر ...وجوه عربية الأصول جذوروها يمنية !...وأخرى دمشقية المنبت .. ووجوه ألسنتها تلوي أعنة الكلمات بلكنة...وكلهم مواطنون يتسع الوطن لاحتضانهم ...وتضيق أحضانه بوجه أمثالي ...بئس الأم الحمقاء تنبذ أفلاذ أكبادها لتتبنى أبناء غيرها ...ومن لم ينبتوا من لحمها وأعصابها.

عند تدوين البيانات وفي لحظات الانتظار رآني شرطي يعرفني ...هش بابتسامته في وجهي غير عابئ بمن حوله من رجال الأمن الخفي ...أراد الغوص في محادثتي ليقتل فراغ انتظاره ...أيبست كلماته بضع كلمات من مرافقي .. قال له : لا تتكلم مع الموقوف !.. هم كعسكريين يدركون الكلمات وما ترمي إليه ...نهي صارم وتغضنات وجه وملابس مدنية ويضاف إليها (الموقوف) ...هذه جميعها تنذره بوجود المخابرات ...

أغلق فمه بألف من الأقفال إلا من أنفاسه والرعب تغلي مراجله في نفسه ...تمنى لو أنه كان أبكما ولم يعرفني ولم ينبس بمكالمتي...وللناس في الخارج أحاسيس كهذا ..يفرون من ضحايا الأمن الخفي خشية وقوع أرجلهم في مصائد من لا يعرفون للأعذار موقع في اعتباراتهم ...أنت كالطير بينهم ..أولئك يصادرون منك جناحا وهؤلاء يعقبون بالجناح الثاني يهيضونه .

أجرى الطبيب العسكري فحوصاته بدقة خشية أن يكون الموقوف مصابا بداء يستفحل أثناء تمتعه باستضافتهم ..وهكذا المضيف يسهر على راحة ضيفه... يصادرون الطعام من فمك لتموت دون قوت ...ويجرون فحصا على صحتك اطمئنانا على سلامة إجراءاتهم لا سلامتك ...يا سلام ما أغلى المواطن في عين وطنه ...قبض مرافقي على أوراق سلامتي وعدنا إلى مكاتب الوبال المستعجل ...ما أسرع ما أنهى إجراءات التدوين والفحص!..

في الأعلى كان الذكي المصلي في انتظاري ...طلق المحيا عليه سيماء التورع الخادع ..أنهى واجباته الإلهية بأدائه فرض الظهر .. وبقيت فروض الطاعة اللازمة تجاه أرباب الدنيا ...الله وأربابه في قلب لا يجتمعان ...مثلهما كالليل والنهار في آن لا يلتقيان ضربت الحديد وهو حامي كما يقال.. طلبت منه أداء الصلاة ...لم يعقب علي بسوى : بعدين.. هنا تجد الحلقة المفقودة ...صلاته واجبة وصلاتي مستحبة إن لم تكن مكروهة ...صلاة الظالم والمظلوم ...شتان بينهما ...بين السجودين بون شاسع يسع العالمين أجمعين...(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الأربعاء أغسطس 01, 2007 3:03 am

(19)
مهما تكن صادقا

أمرني بالجلوس وأراح جسده وعيناه من مكرهما لا تنطفئان ...جلست وفي صدري صوت ناي شجي يعزف مقاما حزينا يعدني بشر ما يخبئون ...استدار بي لحديثنا السابق وأسماء الرواديد ...راح يدون الأسماء بدقة كاتب الشفرات ...يتأكد من الإسم ومن لفظه كاملا حتى اللقب ...

ملأ أوراقه بأسمائنا وأعطاني وجهه والكلمات المنفرج عنها فمه ...قال: هكذا إذن أنتم تستخدمون الموكب لإثارة القلاقل والتحريض ...بكلامه هذا كانت انعطافة أخرى توحى بحقيقة ما يريدون ...في هذه المساحة من الكلام تكمن جدية مطلبهم ..امتشقت رقبتي للأعلى وقلت: أي قلاقل ؟ وأي تحريض ؟.

واجهني بنصف ضحكة ساخرة وقال: في موكبكم تهتفون بالموت لأمريكا وتدسون أنوفكم في السياسة ...تذكرون الشاه وقضايا أخرى كفلسطين وإسرائيل ...وتشعلون الخلافات بين المسلمين ...حقا القوة تجعل البليد فصيحا .. وتحول الكسيح إلى بطل في الجري .. تتأرجح الكلمات في فضاء فمي وتتنازع ...يسخر قوته في استباحة العقل لدينا ...وتكميم الأفواه في مواكبنا .

قال:وأنت المسئول عن هذا كرئيس للجنة !..يحاول إثبات ما لم أثبته بفمي ...ومهما تكن صادقا فالصدق لا يلقى رواجا لديهم ولا يرتاحون لنتائجه ...ألقيت النفي في وجهه كقنبلة هشمت ما يتكئ عليه من إرغام ... قلت له: لست أنا رئيس اللجنة ولا يوجد لدينا رئيسا للجنة...أدخلته في جب وأقفلته في مرة واحدة ...

فتت الإجابة في عضده ولابد من التفافة يداري بها كسيرته ..صعّد من موجات صوته البارزة إلي وقال: على كل حال أنت المسئول...في أحيان كثيرة الصمت يعجبهم ويروق لمقاصدهم .. وليس مثل الصمت علامة رضا ...الأفواه الخرساء أمل يداومون لبلوغه فكيف إذا حققته كلمات يسيرة؟!..


إذا كنا نهتف بالموت لأمريكا فمن وكّلك محاميا تدافع عن حقوقها ...وإن كنا نساند فلسطين فلم نعدو كوننا شعبا مسلما عربيا يناصر قضاياه كما يناصرها حكامنا أيضا في ظاهر مؤتمراتهم وتنديداتهم وشجبهم .. وهبنا نحرض على إسرائيل أفي شرايينك تجري دماء اليهود لتنبض عروقك بالمحبة والدفاع عن حياضهم .

ولو أننا انتقصنا الشاه أما كان الشاه يوما يطالب بالبحرين ويريد ضمها إلى بلاده وكان عدوا لنا ... أم أن ذنوبه أصبحت اليوم حسنات ؟.. أم ليس حبا في معاوية ولكن بغضا في علي!.. الحماقة تقود إلى أتعس العواقب ...وحين نوضح عقائدنا وندافع عنها أمام منتقديها نكون ممن يشعل الخلافات بين المسلمين ..هانحن في بلد تسكن على رقعته غالبيتنا ... ما نصيبنا من الإعلام المرئي والمسموع ... لا يكاد يكون شيئا أمام ما يتاح للمذاهب الأخرى ...فمن المنصف فينا ؟..

وهل نحن دعاة الطائفية ؟.. مآتمنا ومواكبنا وسائل إعلامنا ...نتنفس فيها ما منعناه في الوسائل الإعلامية الأخرى ... القانون بيننا وبينكم إن كنت ممن يقدسون القانون ؟!.. فمهلا مهلا لا تصبنا بسهام طيشك .. أيدينا بريئة من إشعال الخلافات ...وإن كان هناك من يروق له فتيل الخلافات فهو غيرنا.

قال إذن بأي صفة تدير أنت وحسن الموكب ؟.. أحس بسعاره اللاهث وراء اللجنة ورئاستها ...رميت له صيدا جديدا تصحو عليه رغبته الكاسرة ...قلت له :أنا وحسن عضوان في إدارة مأتم بن خميس ... أخذ يلعق شفاهه بلسانه ويرطبها بريق الفرحة ..استعاد شيئا من فرحته في سريرته وقال: سأدير رأسك كالمروحة ...إداري!.. كرر آخر المفردات في جملتي ...مأتم بن خميس !.. وقال: أتريد أن تعرف كم هو سيئ صيت مأتم بن خميس !...تريد أن آتيك بملفه لدينا ؟!..

السوء كل السوء فينا وفيهم كل المحاسن ...وفي حنايا صدورهم كل الفضائل مجموعة ...أينما نكون لا تكون سرائركم راضية عنا ..ترون في مآتمنا كابوسا يحوم حول ملذاتكم الزائلة ...وترون في شعائرها غولا ينهش راحتكم ..وضعتم حواجز بيننا و بينكم بما تكيلون لنا من عداوة ومضرة ...بما ألقيتم لنا من فتات قانونكم حاسبونا على الأقل ؟!.. وما نحن إلا ملفات تغص بها خزائن رصدكم ..

تجردون كل لقمة تعبر أفواهنا وكل كلمة نحلم في التجرؤ على قولها .. تتناسون حقوقنا ولا يفوتكم مطالبتنا بأصغر واجباتنا ... حقا من يملك زمام العربة يكون سيدا ... لا تلقي لهم بأخبار من هنا وهناك تكون خائنا! .. وتكون إداريا في مؤسسة تزاول نشاطها برضا القانون تكون متهما ...ويلنا من قانون لا يتمكن من حماية نفسه ويراد منه حمايتنا ..

مادام يجاهر بالصلاة بين أعداد لم أسمع من يذكرها عليّ المطالبة بالصلاة ثانيا ...أكدت طلبي ثانية فلم يكن بدا من موافقته ...الخوف من قائل يقول حتى الصلاة لا يسمحون بها مادمت في رحابهم .. كما تجدد وصلى أداء توضأت وصليتها بعد ساعات ...صليت في أحد المكاتب وعينا رقيبهم تلاحق الأقوال والأفعال ...(لها تتمة)




(20)
وآذنت الشمس بالغروب

ألقيت بقطعة قرطاس فوق السجادة عوض تربة الحسين وشرعت في الصلاة ...باقة ثبات باشرت روحي بانتهائي من الصلاة ... كانت أسراب الهموم محلقة في صدري وفلول الهواجس مبعثرة في خلايا قلبي ...الآن وبعد التسليم ما عادت موجودة ...كأن مسحا غيبيا مر من تكبيرة الإحرام وانتهى بالتسليم فطبع الطمأنينة في كل ذرة مني ..

عيناه رامقتان إلى قطعة القرطاس والتساؤل يقفز منهما ... يستنكر اسقاط جبهتي على قرطاس دون السجادة ... بلى فقهنا ينزهنا عن السجود على مأكول أو ملبوس ...شممت في نظراته رائحة سخرية ...أرجعني حيث ما كنا عند طيب الصيت .. أفرغ ما تبقى من البيبسي من العلبة في جوفه ...يبعث في أمعائه برودة تنقلها من لهيب صيفنا ...اعتصر العلبة بكفه ...ضغطها في بعضها وهشمها فانكمشت وانبعثت طقطقتها .

طفل في العاشرة يستطيع هذا ...مع هذا فهي حركة ذات دلالة رمزية ...حركة تنم عن إفراغ شحنة التوتر أو كناية عن إظهار القوة والمقدرة على التحطيم ...جنون القوة يغري ويهلك أحيانا ...واجهني بوجهه الأسمر وقال: الآن نريدك أن تدلنا على منازل أصحابك في اللجنة !..

يبحثون عن وهم يشكلونه في قوالب أكاذيبهم ...برفقة اثنين منهم ذهبنا إلى السنابس ...الشوارع هي هي منذ فراقها بالأمس ...لكنها ذات طعم آخر ...أراها ولا أتمكن من العبور فوق ممراتها .. هكذا تبدو الأشياء حين وجودها مهملة بغير ثمن ...وبعد افتقادها تثير لواعجا في السريرة حارقة ..دونت أقلامهم أرقام البيوت والشوارع والمجمعات وعدنا .. بعودتنا انتصف العصر وآذنت الشمس بالغروب ...ولم تغرب عني ظلالهم .. ولا زال في أجندتهم الكثير ...والي عالجبين لابد تشوفه العين ..ومن يتوكل على الله فهو حسبه .

جاءني أحدهم بصحن من الرز واللحم ... العافية لا تجد طريقها إلى الصحن ...الخط الأزرق الداكن المحيط بحاشية الصحن يجعل الرؤية تتداكن أمامي ملامحها ...يبدو أن يدي نزلت في الصحن وتناولت قبضتين أو أكثر من طعام يفتقد طعم الهناء ... قبضات يسيرة مرت في فمي ..أتجرعها كالمتجرع الدواء ...

رائحة الهواجس ورائحة هذا الطعام تبعثان الغثيان .. الوجبة الأولى من وجباتهم هذه .. النظر لها يخلف إحساسا بالأسر ويحولك من عالم إلى عالم آخر ...أنهيت نفسي من وجبة القهر تلك ... ولم تطرأ على الصحن تغيرات ... فما للنفس رغبة في الطعام وهمها يشبعها ويغذيها ... وإلقاء السم في الجوف ببهجة أهنأ من مضغ طعام والنفس مدبرة في صدودها وعائفة له .

بعد جلوسه خلف المنضدة قال لي: بتذاكيه المعهود : ستكون ضيفا علينا اليوم !... أبرز كل حاجياتك وما تضم جيوبك لنحفظه في صندوق الأمانات؟ ... ونعم الضيافة التي تكون التهمة قراها !... ضيافتكم كاستضافة الموت بلا موعد ولا دعوة ولا إيجاب ... فلا فواصل بينكم وبين المستبيح أرضا ويطلب رضا ذويها بما تجنيه يداه ...

أحس بغربة تفترشني وتجثم في مشاعري ... حقا إن القهر في الوطن غربة ...وليس غربة أبلغ من توقيف يمكيج ويسمى استضافة ...ولتذهب النيابة إلى الجحيم بإذنها إن شاءت أو لم تشأ.

كل ما في جيوبي أبرزته فوق المنضدة ...خاتمي وساعتي وقلمي ومفاتيح السيارة والمحفظة... نبهته إلى وجود شيك في المحفظة مع بطائقي ...دفعت أغراضي إلى جهة ما يستريح على المقعد .. نظراتي في ارتياحه الخفي ...لكنني بت شارد الذهن في أمر شيك ارتقب حلول أجله لأنال من ثمنه ما أغطي به نفقاتي ..

ولا يبدو إلا أنهم حلوا قبل حلول أجله ...حلوا وحالوا دوني ودونه ... نجري خلف أرزاقنا ويجرون خلفنا ...وبات الشيك أسيرا مثلي إلى أجل مسمى ...مواردنا لا تغطي نفقاتنا ...الفواتير تخمد مباهجنا النادرة ...وتحتل أفكارنا ...كالسوسة تنخر في راحتنا ..آه من وطن يطارد أقوات بنيه بالفواتير.

دوّن حاجياتي في ورقة هيئت للأمانات ...مد القلم إلي وقال : هذه كل حاجياتك .. يمكنك التأكد منها كي لا تدعي بعدئذ أننا سرقناك ...حاشاكم ..من يجرؤ على اتهامكم ؟..أنتم لا تسرقون أموالنا بل تسرقون كرامتنا ..أنتم لا تسلبون مقتنياتنا أنتم تصادرون إحساسنا بالعزة ... تتعاملون مع القانون كمبتاع الفاكهة يختار واحدة ويدع أخرى ...

المواد القانونية بمقاسات وأحجام ...تستخدمون الحجم المناسب لرغبتكم وتزون المقاس الذي لا يتلاءم مع مهامكم ... هو حق تدوين الأمانات .. أما إيقافي بدون داعي حق فلا يستغرب أن يكون حقا بطريقة من يجيد تضبيط المقاسات .

وقعت في ورقة الأمانات ودونت اسمي متأنيا في كتابته .. حانت منه إلتفاتة إلى بيان خطي فقال : وخطك جميل أيضا ... كانت رأسه تطأطئ بحركة إعجاب .. بلى ليس عدم حبكم لنا كل ما بحوزتنا !... فينا حب للإبداع ولملأ الحياة بالجمال !... لو أنكم تتخلون عن تعقبنا وتعقب أصوات حركاتنا !..

سقطت من عينيه قطرات حسد مغلفة بالغبطة ...حقا محسود الفقير بموتة الجمعة... مع هذا أرواحنا معلقة في شفق الجمال ... فطرتنا معجونة بصفاء تراب وطننا الحبيب ...تتذوق مواطن جيشان الحسن وتعشقها ...لهذا نعشق العدل ببراءة كبراءة النسمات الرقيقة ...ونكره الظلم كراهة القبح....(لها تتمة)





[/size]

[/center]

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة سبتمبر 07, 2007 2:10 am

(21)
صغيرة لكنها قاتلة
أعطى أمرا بأخذي إلى ما لا أعلم ... وإنما كلمتان أفلتتا من فمه فاصطدتهما ...قال: خذ الموقوف ؟... أدركت البيات في زنازينهم هذه الليلة ... من كلمتيه أعددت لنفسي ليلا ثقيلا يريق الأحماض في آماقي ...وساعات لا أمد لطولها كالطرق الصحراوية ... وتوسمت في الآتي أمسية تحوطها الوحدة بمللها .

في كلمة الموقوف وقفت همهمات التوقع تشغلني ...قبل أخذه إياي موقوفا وعلى هامش السرحان في القادم الخفي .. تذكرت أفئدة يلوعها الانتظار لمقدمي ...لعمري والراجع من مخالب هؤلاء كالراجع بعمر جديد ...منذ الصباح والغياب يحجب الابتهاج عن حناياهم .. والشمس تتحول في مراتبها يبقى الأمل يحوطوهم ببصيصه ..

وعندما تهبط في منازل الغروب يتسلل القنوط إلى وساوسهم ويظلم الأمل عندهم بحلول الظلام ...من أجل هؤلاء وقبل انصرافي سألت من حقق معي : هل أبلغتم الأهل ببقائي لديكم ؟... نعم أبلغناهم كانت إجابته .. كذبة بلورية هذه لا بيضاء.. ناصعة الشفافية بجانب طوابير أكاذيبه ...وإذا كان النيل من كرامة العباد واجبا فهذه حسنة مؤكدة ...كما أتذكر هناك حديث شريف يقول : الكذب مفتاح كل شر .

بحصيلة هذا العضو الصغير يتعهر الإنسان ...لعلني صدقت إدعاءه وطمئنت نفسي .. ما علمت بطوية الرذائل المخبئة خلف تعففه الزائف ...يتصلون لما يريدون ...ولا يتصلون لما تريد ..عقاب جماعي بضربة واحدة جسد موقوف وقلوب موقوفة في اضطراب وقلق مهين .. سلوك متنكر لأبسط مبادئ المروءة ولا أقول الدين.

إن لم تكن آلة الكذب فاعلة في جهازهم فليسوا بهم ... الكذبة مثلها كمثل التفاحة المسمومة صغيرة لكنها قاتلة ومشهدها يغري ولا يدرى ما بداخلها من حتف مؤكد... ألقوني في حبس انفرادي مع هبوط الظلام ...في مبنى قريب من مبناهم لأكون في متناول طلبهم ...حجرة صغيرة ذات سرير مفرد ...جدرانها صفراء تقذف الكآبة في الذات ..لا تعود النظرة من جدرانها إلا بسئم يتوالد .

وفي سقفها مصباح متواطئ مع جدرانها على تضييق الخناق على المقيمين فيها ... من المصباح ينبعث أزيز يمطط الثانية فيجعلها ساعة بصخب ما يوقعه في الدماغ .. وأغلقوا البوابة الحديدية على جسدي ... فوق هذا السرير ستمر ليلتي .. النائم فوقه كمتوسد القبر ..وأي غفو يزورك فوق النعش الساكن في قبر الترقب ..

شرطيهم في الخارج يزاول حراسته ذهابا وإيابا ...قرعت الحديد في البوابة لمرات ... تنبه الشرطي لصوت الضربات فجاء ... كلمني والبوابة مغلقة ...أخبرته بحاجتي للوضوء لأداء الصلاة .. كان أسخى من صاحبي المتذاكي ...توضأت في الحمام المجاور لزنزانتي الإنفرادية ... ولا يبدو هناك من أحد في الزنازين الأخرى ...لا يوجد إلا الظلام والسكون يغلفها .. زنزانتي هي العامرة فقط بأزيز المصباح وصرصرته ... إذن هي ليلة وحدة في وحدة ...توضأت وأعادني إلى زنزانتي إعادة الخطير إلى قيوده وأقفاله .

أوصد الباب علي وعلى ليلة يتنازع النوم والمؤرقات فيها ...أديت الصلاة طليقة لا تأسرها زنزانة ظالمين ...وتضوعت فيها خشوعا طاردا مشاغبة مصباحهم عني .. صحن من المرق المشوب بشيء من الخضار جاء به الشرطي .. برفقة رغيف ذابل .. أحاول لمرات إقناع فمي بطعامهم بلا فائدة ولا جدوى ... تنبع من الصحن رائحة الأواني العتيقة فتصد النفس عنه ...أقبل عليه فتطردني صورته قبل رائحته ... أنا في إقبالي وإدباري كالراغب الخجول.

ألقيت جسدي فوق السرير الكائن في الجهة الغربية ...أتسلق جبل النوم علني أصل إلى قمته فتسهد عيني وتريح بالي من شواغله ...تدوس أجفاني على بعضها طلبا للغمض ولا من رقاد .. ولما طال عناق أجفاني بدت الصور تظهر في خيالي ...صورة طفلتي ولا من يد ترقصها الليلة ... صورتها تزج بي في جب عميق ...كل لياليها السالفة يداي تجففان دموع بكائها ... الليلة دمعتي انسكبت حسرة لابتعادي عنها ...ويداي تجففان دمعي بظاهر كفوفي .

أواه لأطفالنا يولدون في زمن تكأكأت الملاحقات علينا ..يفطمون ولا تنفطم الأعين عن متابعتنا .. أواه وأطفالنا يشاركوننا طعنات الفراق المبهم ... قلوب أطفالنا تشب ويدب في أوردتها بغض المعتدين على حقوقها ... وتتبرعم فوق ألسنتها لعنة تهب في وجوه المتجبرين ... فلا نوسد قبورنا إلا وقد ورثنا مطالبنا أبناءنا ...نعم فزارع الشوك لا يجني العنب ... وجروح الآباء من تراث الأبناء.

أودعوني في صندوق الكآبة هذا... وانصرفوا يضاحكون أبناءهم ويلاعبونهم ...أما أبناؤنا فذنبهم أننا آباؤهم ...ولهم الويل من قدرهم المربوط بقدرنا... ضحكاتهم فاقدة الألوان ...أما أبناء أولئك فلهم الدلال كاملا ...ولهم البهجة والمتعة والضحكة والعطور.

للعين أن تهجع إن كان للهجوع من سبيل ...توسدت كفي على مخدة الأرق الأسود ...يمزقني الأرق ألف قطعة فيخيطني ويمزقني .. اللحظات في تشابهها سكون رتيب ..تفتح اللحظة في مساحتها أبوابا كثيرة تدخلني من باب لآخر ...ولا ينقضي من الليلة شيء ..ولكن مهما بعد الفجر لابد لليل أن ينجلي ...وحين ينجلي يسر به اليقظون ويتطير منه الغافلون المقصرون ...(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة سبتمبر 07, 2007 2:13 am

22)
سواد في احمرار أثارها
أقفلت أجفاني قاهرا أرقي بعد سجال طويل معه ... يتحزم لي بفيالق الأفكار ويحاصرني بشوارد الأمور ...ما شبعت عيناي من رقاد ..وما يلذ لها بهكذا مكان ...أوينام المرء في أحراش الغابة آمنا ...ينام من نصب يجبره .. وعند أول استفاقة تستفيق المخاطر محدقة من حوله ..على صوت المؤذن الواصل إلى زنزانتي من المساجد القريبة أفقت..

من الباب اقتربت أصيخ السمع لما في الخارج ..وقع خطوات الشرطي أسمعها ...دققت البوابة بكعوب أصابعي ...اقتربت خطواته من البوابة ...فتحها وسألني عن طلبي ... طلبت منه الذهاب لدورة المياه كي أتهيأ للصلاة ... توضأت وصليت .

ولا زالت جالسا والبوابة تفتح ...أمرني الشرطي بالخروج... أتمشى في الفناء المجاور لزنزانتي ...أحرك الدماء في أعضائي ...يحسبني قضيت الليل ملقى في فراشهم ..وهل يتناول أحد دواء إلا عند الحاجة ...هكذا فراشهم للضرورة يأتي .. ولا يدري أن الليل قضاني ذاهبا وآتيا ...إلا القليل من هزيعه .

لازالت الظلمة مسيطرة على الأفق ...تتنازل قليلا فقليل فتتسرب طاقة من النور ... في مساحة طولها لا يتعدى عشرين مترا قضيت ربع ساعة تقريبا في تنشيط أوصالي ...وأعادني إلى حيث ما كنت ...وبدأ النهار يحكم قبضته على الجو ...أقبل النهار بوحشته ووحشية مرتاديه ... الليل بسكونه يصب الاستقرار في النفس ... وإن كان يحرك في لواعجها الكثير لكنه أخف وطئا ...ولا يمكن أحدا من النيل منك .

أهلكت الوقت في استنفاذ طول الزنزانة ذهابا وإيابا ...بالصلاة على محمد وآل محمد تكرارا لا يشق له الملل غبارا... ففيها أسرار عجيبة ولها كرامات لا تعد ولا يحصرها لسان ...وعند صحوان الشمس في طرف السماء جاءني جلاوزة العمى و الضلال ...أخذوني للأعلى ومكاتبهم الأمسية ..

أكرموني بكوب من حديد يقل في جوفه شيئا ما يشبه الحليب ...إلى جواره رغيف يشبه رغيفي البارحة .. إزدردت شيئا من الرغيف وأفرغت نصف محتوى الكوب من جوفه لجوفي ... حمدت الله على كل حال الذي لا يحمد على مكروه سواه ...وهاهنا تجتمع المكروهات.

بكرني وجه ضابطهم المقترف اللطمات في خدي ...ألقى تحية الصباح مشفوعة بالخير.. وهبته الرد التقليدي قائلا : صباح النور ... وأكملتها في سري قائلا : الذي لا أراكه الله كثيرا وحرمك من العيش في أفيائه ... ابتسم ابتسامة ضبع ...ولعمري هل رأى أحد ضبعا يبتسم ؟!... قال : كيف رأيت ضيافتنا والسكن في جوارنا ...وهل نحن في سالف عمرنا إلا في ضيافتكم الكريهة .

في منازلنا ننام وأعينكم في حيطاننا تراقب أيدينا ..أنرتل الحمد والشكر لكم في قنوتنا ؟!... وآذانكم منصتة لهمهمات شفاهنا أتقدس أفضالكم ؟!... أعينكم عمياء عما يسمى بيوتنا الآيلة للسقوط ... البيوت التي تدونونها في إحصائكم تحت مسمى فيلا ..

آذانكم صماء عن سماع أطفالنا يطلبون أقل القليل ولا يجدون ...نزعتم الحياء بعيدا وألغيتم الشعور من قلوبكم ...وإذا لم تستح فافعل ما شئت ...ونحن في جواركم على كل حال .. نجاور القوة تؤذينا ولا تحمينا ...جواركم جائر يسرق البهجة من أحداقنا ... جاورتمونا فجففتم بحرنا ...وألغيتم حظورنا ...وأصبح بحرنا أرضا تصب ثراء في جيوب اللصوص ...

قال: وإن أحببت فلدينا المزيد .. واستدرك قائلا : إلا أن تقول من رئيس اللجنة ؟!... ومن النائب؟!.. وباقي العاملين فيها؟!.. القناعة بحقيقة ما يقولون تجري في دمائهم ... ولا تقنع بخيلا بمنافع الكرم ففي آذانه وقر عن ذلك ...وعبثا تحاول إثبات ضوء الشمس لدى الأعمى أجبته بسابق ما أجبت ...وأقسى ما يمزق خلاياهم أن لا يحصلوا على ما يعتقدون وجوده .

نهض من كرسيه بارتعاشة مباغتة ...والتف على الطاولة واصلا إلي ...خلع نعله الثقيل ...تناوله بيده اليمنى وشرع يضربني بقاع نعله ضربات متوالية موجعة...بانت تعرجات قاع نعله في صفحة خدي...سواد في احمرار أثارها... خلصتني منه كلمتان من فم سيد المتذاكين ذاك... قال له: دعه يا شيخ ؟!..

آثار قذفات نعله حارة ملتهبة أتحسسها بيدي ...بالأمس لم يكفه النيل مني بيده ... اليوم يستعين بأعز أصدقائه وأشباهه...يستعين بنعله الملمع ظهرا المملوء أوساخا في أدنى قاعه ...هو كنعله مظهره لامع وأدناه قذارة مفتوحة على الآخر.... مسحت التراب اللاصق من نعله في خدي ...لازلت أمسح خدي أثناء ما قذارة شتائمه تصب من فمه ...أصدرت آهة ضجر من أحر أنفاسي .

أرى مستقبلنا أياما مظلمة ...في أي نسيان نضع هذا الحاضر ونلغيه؟ ... وبأي أعصاب ندوس على الإهانات المتوالية ... بالأمس كفه تطاولت علي دون ذنب مني .. واليوم كما بالأمس كفه يعززها نعله .. وغدا بأي شكل يعود؟.. هذا ما هو في الغيب ...أفلا يحرضنا هؤلاء بحماقاتهم على ما لا نريد ؟!.. ألا يحقق أمن الدولة إلا باستلابه منا ؟!.. ولا يتم أمنها إلا حين نلغي عقائدنا المذهبية ...ونتنازل عن إحياء مواكبنا ...(لها تتمة)


الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة سبتمبر 07, 2007 2:15 am

23)
سلاح بجيوبكم
زمجر وزعق في وجهي :سنسفرك إلى السعودية عقابا على ما جنيت! ...ولا تعتقد أنه لا يمكننا ذلك وأن الدستور لا يسمح لنا!..بات الوطن أغلى من ساكنيه .. لعلهم لا يخفون علينا علمهم بحبنا للوطن ...لهذا يلوحون لنا بمصادرته منا ...من يصادر وطنا منقوشا في خفقات الأنفاس ؟... أفتصادر المحبة غصبا من القلوب ؟... نحن كالطيور تسافر بعيدا ..لكنها تعود في الختام إلى أوكارها ...

ربما تبعدنا الأقدار في أبعاد الغربة حينا ... وربما تجبرنا لقمة العيش على اللحاق بمنابعها ...مع كل ما يبعدنا تبقى مشاعرنا مغروسة في تربة أرضنا ..وندفن فيها ولا نعيش في سواها قابلين .

بلى سيدي الدستور سلاح بجيوبكم ...تعطوننا إياه مفرغا من رصاصه .. بينما تعبئونه وقت استخدامه في صدورونا ...ومن يحرك السواكن في وجوهكم ؟.. وفي أيديكم مفاتيح المحركات !... نعيش مهزلة المفارقات ...ولا حرمنا الله من تطبيقاتكم معطلة للدستور ...ومنذ أن حلت الطوارئ ببركات جهازكم ما عاد للدستور إلا الاسم والتباكي على جماله المهدور.

عاد إلى كرسيه غضبانا مني وكأنه المضروب بباطن النعل ... قال : أنتم لا تحترمون الخير الذي أنتم فيه ولا تقدرون النعمة ... الدولة توفر لكم السكن والكهرباء والماء والحياة الكريمة ... وأنتم ترفسون النعم وتتنكرون لها ...وها قد حضرت مواد الدستور المعطلة ...يقول ولا يرضى بمن يقول .. ولا يريد جوابا لعلمه ببطلان ما يزعم ...

الحياة الكريمة في سكن نصف العمر نقضيه في الجري وراءه ... والنصف الآخر في تسديد أقساطه الباهظة إن بقيت في العمر بقية لم يودي بها القهر والحرمان ...بلى يا سيدي العيش الرغيد في البحث عن علب البيبسي الفارغة من القمامة لبيعها على أصحاب الخردة...ورائحة النفط تزكم أنوفنا بعائداتها ..

أرأيت خليجا كخليجنا يحتضن أرضا شعبها يبحث عن قوته في فضلات الطعام؟... أرأيت عيشا أشبه بموت كهذا ؟... أرأيت أغنياء كنحن فواتيرنا تنتهي أيامنا ولا ننتهي من أدائها ...كاذب من يقول لا يوجد بأرضنا حياة كريمة! ...وما لكم نداري جراحنا وتنبشونها وتستنكرون صولة جرحنا ... تعبثون بالنار وتضجون من لسعاتها.

تفضل علي آمرا بالجلوس... سحب الدرج الحديدي بعنفوان وغطرسة .. مد ذراعه فيه للحظات ...أخرجها بمجموعة أوراق معدة لملأها بإفادة من يراد إفادتهم ...وقال اكتب كل ما أفدتنا به في هذه الإفادة بالتفصيل الدقيق ؟.. وتدحرج القلم من يده في طريقه إليّ فوق الطاولة .. بالقلم أمسكت وبدأت أكتب إفادة لا طعم لها إلا مرارة المهزلة ...ولا رائحة لها إلا رائحة العبث بمقدرات الصابرين ...إفادة يراد لها أن تصنع من السراب ماء..

بخط النسخ الجميل كتبتها وأعين الجميع مصوبة على كفي ...كبيرهم وزعانفه الصغار ...ذاك المتذاكي يؤكد مرارا بعدم الخطأ ...وإلا سنكون في داهية دهياء ...حتى أبيض التصويب لا يستخدمه إلا للضرورة القصوى .. ويستخدمه بضجر كفاقد الرتبة .. بتأن يمحو الخطأ كأنه جالس في حضرة الملكين الكريمين منكر ونكير... يخشى من زلة تودي به إلى الهاوية ...يحذرني من كبوة القلم قبل وقوعها مؤنبا .. يستحضر الدواء قبل الداء ... من يا ترى سيقرأ ما نكتب؟!.. إلى أي مستوى بلغت أهمية هذه اللا قضية ...مضحك أمر هذا الإنسان يسعى لتزويق النتائج ...ولا يعتني بالإعداد للعمل قبل النتائج ...سار الحال هكذا حتى أنهيت الإفادة وذيلتها بتوقيعي .

أثناء ما كنت منصبا على تزويق الإفادة حسب رغبتهم حلت لحظة صمت ... أعقبها استنفار لأداء الإحترام بالوقوف ...الضابط خلف الطاولة ومرافقوه أيضا ...نتعوا أطوالهم واقفين ... لمن هذا الوقوف ؟..لا أعلم!.. لكن الإهتمام المتكلف ملحوظ ..ولا يخفى الإرتباك والتلبك على ذي فهم يسير .. أنهوا مهمة كتابة الإفادة وذهب بها أحدهم..

أسماء الشعراء والرواديد عاد لها دور آخر في المحطة الثانية من هذا النهار ... كانوا كل خمس دقائق يأتون بملف ...يفتحه أحدهم أمامي ويشير للصورة المثبتة في ورقته الأولى ...يسألني ويقول: هذا فلان؟.. كل الطاقم من الرواديد والشعراء المنتمين للجنة موكبنا جاءوا بملفاتهم ... أي جهاز هذا الذي يوضب للمواطنين ملفات بهذه الدقة؟..

لا تفتر الدهشة من فورتها ...البحث عن صورنا لا يستغرق يوما واحدا ...بل والبحث عنا بكاملنا لا يستغرق شيئا يذكر ..بهاتف وبضغطة زر تكون رهن الحضور ..وللزمان في تطوره فنون ..وللتقدم معاجز وقدرة هائلة .. إذا جاءت لا تأتي لصالحنا ...دائما تأتي في الطرف المقابل ...معاملة واحدة تستهلك إسبوعا ولربما أشهرا ...تحت وطأة الروتين القاتل ..أما هنا فموظفون مجدون لا يسأمون من البحث ولا يكلون من عمل ...عروقهم متصلة بمعقل الذي وشى بمسلم وبأحفاده حملة الألسنة الواشية ...وشاة بأرخص الأثمان ...وبضمير مرتاح يعملون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

مجدون مجتهدون في عرض الملفات بصورها عليّ...لم تستعص عليهم صورة ...إلا صورة واحدة لم يجدوا لها سبيلا ..يبحثون عن رادود اسمه عبدالله ... كما أوردته لهم أثناء تحصيلهم الأسماء .. هذا إسمه المتداول بيننا .. وهو الصدق الذي لم أتجاوزه معهم ...بلى ولكن للحقيقة أبواب أخرى ...عبدالله هذا اسمه في الأوراق الرسمية عبدالنبي ..كنت أعلم بهذا بصفة خاصة ...ولم أشأ إخبارهم بما يريدون ...أنهكتهم المحاولات في البحث عن عبدالله ... لم يجدوا إليه سبيلا !..

كنت أنفس عن غيظي فيهم وأنا أراهم يقبلون إلى سيدهم خائبين ... سمعتها مرارا عبارة (سيدي لم نجد شيئا)..يعودون لي بوجوه خائبة يستفسرون :أمتاكد أن اسمه عبدالله ؟.. ولا يسمعون غير إجابة واحدة :هذا الاسم الذي نعرفه به ... وكان حقا ما قلته ...هذا الإسم الذي نعرفه به ...يحولون صيغة السؤال لأخرى ويقولون :أليس له اسم آخر ؟.. ولا يتلقون غير الجواب السابق ...(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة سبتمبر 07, 2007 2:19 am

(24)
الجزء الثاني من الخبر


النباهة ليست معدة في برمجتهم .. لا يتنبهون إلى أني لا أجيب على السؤال وإنما أراوغ بالإجابة ...استخدمت التورية في الإجابة والإعراض برفق ...يحسبون المكر وقفا عليهم ...مكرت بهم قليلا وأجهدتهم بحثا .. لم أشأ البوح لهم بحقيقة الاسم ...فليرهقوا أنفسهم قليلا في البحث ...إذن علام يقبضون رواتبهم ...أفقط يقبضونها مقابل النيل منا بأبسط الوسائل ...علامات اليأس تتسع في أوجههم وتفرحني سرا .. كنت أعلم أنهم سيصلون إلى الحقيقة أخيرا ..ولكن لتكن اللقمة المأكولة مشبعة بالكدر والتوبيخ والمهانة إن كان ولابد سيأكلون ... فعلا بعد مشقة وساعات ...عاد أحد اليائسين سابقا والبشر يحمله حثيثا إلى سيده ...قال سيدي وجدناه ...اسمه عبدالنبي وليس عبدالله ...يعمل عسكريا في الدفاع .

الجزء الثاني من الخبر سرق الفرحة من سيده ...كأنه أصاب كنزا فانقض نسر عليه واختطفه بين مخالبه ...العسكري التابع للدفاع يحول إلى جهته ...ولا يعنيهم من أمره شيئا سوى تحويل ملفه إلى جهة عمله ... ولتلطف العناية الإلهية به .. فكونه عسكريا يوسع فوهة النار عليه .

هانحن نعامل كمدنيين وتقذف التهم علينا جزافا ...نعتقل بمجرد رغبة وشك .. وتحاصر أنفاسنا لكلمة سنقولها ويعتبرون هذا ضربة إستباقية...فما بالك والعسكرية لا تقدس إلا ضوابطها ...ولا تغفر المساس بضابطة من قواعدها ... وللأصول المذهبية دور في الحيف والجور بحقه ...الأصول المذهبية تبعده عن الرتب الفارهة ...أفلا تقربه من التهم الثابتة .

أتحسس الجيب السري في البانطلون ...مائة فلس مخبئة فيه .. لم يلاحظوها ولم يضيفوها إلى أماناتي ..بالأمس شدني حرصهم على إخلائي من كل ما أحمل ...مع كل حرصهم لم يحسوا بالقطعة المعدنية في الجيب الخفي أسفل البطن ..بالتأكيد يخشون من الضغط النفسي وهم يوفرون كل دواعيه ...يخشون من اليأس حين يدفع الموقوف في زنزانتهم إلى ارتكاب عمل تلحقهم تبعته ..

الإرهاق الجسدي أرأف على الإنسان من التعب النفسي ...الفارق بينهما كبير كالفرق بين الصدمة والجنون ...وبوجود أي عامل مساعد يكون الظرف مساعد في عزلته على اقتراف ما لا تحمد عقباه ..

القطعة المعدنية يمكن ابتلاعها في حالات اليأس ...يحسبون أننا نحتفظ باليأس في أجندتنا قريبا ..اليأس وصفة طبية ولا نستغني عنه.. نستخدمه للحالات المستعصية ...إذا استخدمناه فلا نستخدمه ضد أنفسنا ...نستخدمه تجاهكم ..الواثق من هدفه ومن مدد ربه لا يفقد الأمل ...ولا يجد اليأس في نفسه نفسا داخلا يعبر منه.

عندما لمست منهم عزما على إعادتي لزنزانتي أبرزت القطعة من مخبأها ...أردت قياس ردت فعلهم تجاه غفلتهم عنها ... لما رآها أذكاهم بين أصابعي ... وعلم بوجودها معي ليلة أمس انزعج كثيرا ... جن جنونه بعد استلامها مني ... بدأ متوترا وهو يلوم الآخر الذي فتشني بالأمس.. قضيت من إزعاجهم وطرا بقطعة قدرها مائة فلس ...أشعلت الخوف في وهمهم بلا كبريت ..وأنضجت أفئدتهم بشرارة لا غير...تناول القطعة المعدنية مني وحمد الله على حسن العواقب من ليلة الأمس ...محير أمرك أيها الإنسان تلقي أحجارك على القوارير متعمدا وتحمده تعالى على سلامتها.

النهار هذا شارف على الإنتهاء كالأمس ..بين أيدي تعتدي ومحاولة تلفيق وإقامة في جوارهم كما تشير العلائم ...في الذاكرة لحظات جوارهم لحظة بلحظة لا تبارح الخيال .. أطيافها الصاخبة حية لا تموت ...أي مصالحة ستتمكن من إزالة وشمها من أرواحنا ..هذه روحي واحدة ...والأوشام بعدد أرواح أهل الوطن الأصليين ...متى تتخلص من الشوك مادمت تنزع شوكة وتنبت مكانها ألف شوكة ...أشواك في خواصرنا هذا الماضي الحاضر... حاضر لا توصد أبواب استعادته .

أعادوني إلى زنزانتي كما الأمس ألوك الوحدة ...ويعاشرني مصباحهم بأزيزه ...جدران زنزانتي تأسر الأنفاس ...ألوانها مملة يتوارى الأنس من صبغتها .. وهذه ليلة أخرى ستعبرني موقوفا ...قضيت شطرا طويلا من الليل أذرع الزنزانة مشيا بالصلاة على محمد وآل محمد...فلها أثر السحر في تغيير المعادلات ..وفي الكون أسرار ومجاهيل يعجز لبنا الضعيف عن إدراك كنهها ...أسرار كامنة في المخلوقات والأمكنة والألفاظ .

لعل من أسرارها إضفاء الإستقرار النفسي على الروح ...هذا ما كنت أعيشه في ساعات ليلتي تلك .. فأجنحة الخيال لم تحلق بي فوق أحراش اليأس القاتمة..ولم تحط بي على مستنقعات القلق الآسنة ...والليل يمضي ببطء المتواني عن هدف يخشاه... تذكرت إقبال وفاة الرسول (ص) ليلة غد ..أحتاج لوقفة لهذه المناسبة والوقت يسبقني إلى المناسبة ... علي إمتطاء الليل واجتراح الصمت ...تناسي الزمان والمكان والعيش في الهدف وسيلة ناجعة .

فعلا أعددت القريحة وأسرجت القوافي ...يحدو بي ذكر الرسول العاطر ومعاناة بضعته حين أطل على الدنيا فراقه ...القلم لا يتسنى هناك ...ولكن صفحة القلب برسم الخدمة تدون ما يراد ودون الأمر ناشطة ...كسروا ضلعين ..كان هذا مطلع النص ..حتى أتممته ملقيا بظرفي في النسيان وراء ظهري ... أودعت النص في خفايا حس مرهف لذاكرة الشعر في القلب ...أقفلت عليه لوقت الحاجة ليلة الغد والآمال واثبة بالفرج أليس الشاعر يقول:
ولرب نازلة يضــيق بها الفتى ذرعا وعند الله منـــها المخـرج
ضاقت فلما استحكـمت حلقاتها فرجــت وكـــنت أظنها لاتفرج

عند اشتداد الشدة يكون الفرج بلى .. الثقة بالله مفتاح لكل المعضلات ...ويجرفني الحنين إلى ملاعبة أنامل طفلتي الصغيرة ...ليلتان وعيناها لا تمر بها صورتي ...ليلتان وعيناي محجوبتان عن رؤيتها ...باقة من الحنين المتدفق تغرقني في صور عمرها أسابيع عبر بها الزمن إلى الضفة الأخرى ...عند سريرها وأثناء ملاطفتها رجلاها تنوسان في خدي ... يدي الآن تتحسس مكان رجليها ...بقايا ألم النعل لازالت عالقة ببشرة خدي .

مكان ما لامستني رجلاها اجتازني النعل الغازي ...وللأمكنة أقدار لا نحيط بها ...رب مكان كان موطأ ملاك فصار مرتع شيطان يدنسه ويزيل نزاهة ذكرياته ... يتضخم الحنين علي والدقائق لا تمنحني إلا كرما من طولها.. الحنين والأمل متعاقبان في المرور على أفكاري ...والإجهاد والتفكير متآزران على إلحاق النعاس بعيني ..(لها تتمة)


الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة سبتمبر 07, 2007 2:22 am

(25)
شيء من الشغب الهادئ

عيناي مصوبتان إلى الزاوية الشرقية .. أذهلتني الحشرة المتحركة فيها ... اقتلعت جسدي الملقى على السرير ... سرت إلى جهة الحشرة ... عنكبوت ممتلئ الأعضاء .. أرجله سميكة من ترف يلاقيه في الزنزانة ... نزلاؤها مشغولون بأنفسهم عن ملاحقته ... سحقته برجلي فعاد أعضاء ممزقة فوق بلاط الزنزانة الموحشة ..وعدت إلى سرير الغربة ذاك .

بين أربعة جدران من بينها يكتوي بالعيش بينها ...وخامسها هذه الحشرات بأخطارها وأوبئتها ...إذا نجوت من جانب لا تفوت من الآخر .. ويظهر أن هذه الجدران لم يمر بين طوبها منظف ولا مكنسة ...هذا خطر واحد استطعت التخلص منه فكيف التخلص مما لا أعلم به من الأوبئة ...السرير الأثري يشهد بوقوع أجساد الأوائل من المضطهدين فوق تراب وطنهم .. واللحاف تكفيك رائحته لتعرف عدد الأجساد التي تدثرت به... والوسادة تستلم رأسك ولا تهبك راحة من قطنها المسحوق تحت قماشها .

غادرت عيناي غافيتان في غطيط لا يترجل إلا عند تفتق الأجواء عن أصوات المؤذنين ...فركت أجفاني بمقدم أناملي ونهضت ...بعد الصلاة أعملت التفكير في ما أنا فيه ...وما ينبغي عمله ...هؤلاء المتجاوزون على الكرامة والخلق والمروءة ...لا ينفع معهم أسلوب إلا إذا كان مثل أسلوبهم .

الحل يحتاج إلى شيء من الشغب الهادئ ..ولا بد من المكر والحيلة للوصول إلى معبر النجاة ... الاستهتار الفاحش منهم بقيمة الإنسان لا يدع مجالا للإعتدال في مواجهتهم ...يسيرون بك إلى أهدافهم بكل إجحاف ...لكن تفضحهم إشارات تخوفهم من تعرضك لضرر فادح ...يرتعبون من تعرضهم للمسئولية.

كما صنع الثعلب احتيالا للدخول إلى بستان ..أضعف جسده جوعا حتى تمكن من الدخول ..لابد لي من الحيلة ..ولا يعدم الحر وسيلة ..ماداموا يخشون تعرض موقوفهم لمكروه يدينهم ...من هاهنا نبدأ!... والضياء ينزل باقة أنواره معلنة دخول النهار طرقت الباب مناديا الشرطي ...اقتربت خطواته من البوابة ..أخبرته بأن بطني تؤلمني ...مرت بعد انصرافه ربع ساعة لا أكثر ..جاء خلفها اثنان من المداومين في المكاتب العليا ...

فتحا الباب بعجلة ملفتة وإشارات الاهتمام ترسم علائمها في وجهيهما ...تثاقلت عن النهوض من السرير إتماما لوصفة الثعلب...سألني أحدهما : ماذا أصابك؟.. واصلت الضغط على بطني بكلتا يدي .. وما زدت على قولي : بطني توجعني !... نطق الأخر سائلا : هل كان هذا من الطعام ؟...فرشت شفتي السفلى للأمام وعقبت : لا أدري ...قال : إذن هيا للمستشفى !...أضمرت الارتياح في سريرتي ... لقد استطعت العبور من الثغرة الخفية لديهم .
وها قد آتت الوصفة السحرية أكلها ...ووجدت ضالتي في خوفهم المتواري خلف مكابرتهم ...ليس الحق لكم لوحدكم في إشعال المخاوف فينا ...ذوقوا شيئا من نتاج مزرعتكم ...مكان ما كنت بالأمس أتمشى أوقفا السيارة ...يستعجلانني في الركوب ...الفرحة المعشبة يبست في أعينهما ..وحلت مكانها خدوش تؤرق سكينة دوامهم ... كما أرادوا ودبرت الأمر ركبت السيارة ...انطلقت السيارة بنا مسرعة سرعة سيارة الإسعاف ...عبيد الأوامر لا سواها ...بنصف أمر يهينون شعبا كاملا ويحوطون الأمر ما درت معائشهم...وبأمر أيضا يقدسونه ويرتلونه في صلواتهم .

دون الطوابير الطويلة التي نشاهدها في مستشفى الطوارئ دخلوا ...أدخلوني على طبيب عسكري ممشوق القد ...كونه طبيبا لم يحل بينه وبين البزة العسكرية ...ثلاث نجوم متلألئة راسخة فوق كتفه ..أيقنت أنه باكستاني الأصل من إعوجاج كلماته في النطق .. بالطبع أولئك لا يحتاجون إلى تهجيرنا من وطننا.. الهجرة بكلها استحلتنا ..وصرنا وطن مهاجر من أصالته..

أجرى فحصا تستولي عليه توجعاتي وتغير في تقريره آهاتي ...حينما نصدق لا يقبلون بصدقنا ويتهموننا بالخداع والمراوغة ..أما حين نراوغ ونتثعلب في أوجههم فهم يؤدون تجاهنا كل الإحترام والعناية .. عفوا فنحن مجبرون !..وإن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب.. ومنذ اللحظة كل ما يأتيكم من أيدينا فمما أوحيتم لنا به.

أمر بانزالي في سرير العناية مصحوبا بالمغذي... على السرير رقدت والمغذي يصب قطرات بطيئة من أنبوبه في يدي ...برفقتي أحد خدمة الأسياد القابعين في الأعلى...المغذي يؤدي وظيفة وهمية لا أحتاجها ...هم يحتاجونها للإطمئنان على عدم تعرضهم لمسآلة ما ... الجالس بجوار السرير يقوم بدورين متناقضين ...دور الشرطي الرقيب ودور المتحدث الصديق المشفق .. الشفقة المختلقة تنحدر من لسانه مكشوفة فاشلة ...

ينصح ويحذر ويوجه بلسان بارد ما خالطته حرارة الصدق في كلمة .. إذا أخطأ وصدق في واحدة فلا يفوته تزوير ألف قبلها ... وتدليس ألف خلفها ...لو أراد تجشم الصدق لا يستطيع فالطبع غلب التطبع ...وايموت الزمار واصبعه يلعب ..أتيح له فرصة التشدق بمفهوميته ... ولا يفوتني الحذر من الخبث المتواري خلف ملابسه !..

حكاؤون من الدرجة الأولى ...واعظون من الطراز الراقي ...لعلك لا تغفل عن حكمة إلا وتجدها في كلامهم ...ينصحونك للدنيا ولا يعظون أنفسهم للآخرة ..شبعت من النصائح الأمنية وما عدت أتيح لها سمعي ...بلى أفوتها سمعا يلقي بها في النفايات ... الوجه الآخر من الحقيقة لا يبرزه أمامي ...حقيقة المعاناة التي نعيشها ونقاسيها ... حقيقة التمييز المتبع في القطاعات العليا إلا مارحم ربي...تلك الحقائق المسكوت عنها ...لا يلوث لسانه بها أبدا ....(لها تتمة)

الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور Empty رد: أيام في ذاكرة الوطن للأديب الرادود عبد الشهيد الثور

مُساهمة من طرف الفاضل الجمعة سبتمبر 07, 2007 2:33 am

(26)
عناء التحمل والتجمل

أنا على سرير مستشفاهم وهو يلقي نصائحه الفارغة ...رأيته اقتلع جثته من الكرسي واقفا ..بخبرتي المتواضعة معهم أدركت مجئ أحد أسياده ..أمام سريري وقف بقامته الممتدة طولا ... وجهه مشبع بالحمرة ...عطره النفاذ غاص في حاسة شمي المعطلة منذ يومين إلا من الروائح المنغصة ...حياني بالإنجليزية بأحسن ما يمكن ...أستطيع إدراك أغلب كلماته لولا أنه يبتلع نهايات الكلمات ...ذلك الجالس في الجوار تولى الترجمة حين يفوتني ما يبتلع من كلمات ...بالغ في السؤال عن حالي ورائحة الود تسيل من حديثه .

محير أمرهم حقا كلما صعدت للأعلى تجد الرقة والملاطفة ...وتلقى ما لا تلقاه عند خدمهم ...برغم كونه أجنبيا إلا أنه يجيد الذوق والكلام ...يعرج بي من حالة إلى أخرى .. يسأل عن صحتي أحيانا وكيف حدث لي ما حدث!..وأخرى عن وضعي الحالي ...يستعطف الرضا والقبول مني .

يثيرني في الأجانب هذا الحرص على الظهور بالشكل اللائق ...لا يحبون تشويه صورهم عند الآخرين ...يكلفون أنفسهم عناء التحمل والتجمل من أجل مظاهرهم ...سألني عن ظروف التحقيق معي كيف كانت ؟.. وهل تلقيت تعذيبا منهم ؟ لن أجد فرصة أشهى من هذه أقتطفها للنيل من المتجاوزين على كرامة المواطنين ...والأسف كل الأسف أن تجد الإنصاف من الأجنبي ولا تجده في من هو ذات عربية وتدعي انتماء للوطن.

كشفت له عن خسة ما عوملت به من أساليب واعتداء جسدي باليد وبما تقل أرجلهم .. امتقع لونه من عباراتي وهو يسمع توضيح ترجمتها إضافة إلى كلماتي الإنجليزية ...داخله الغضب وسألني هل حققوا معك واقفا أم جالسا؟ ... قلت له كنت واقفا !.. قال: لكني مررت هناك ورأيتك جالسا ...قلت : كان هذا أثناء كتابة الإفادة...

أبدى اعتذارا عما صدر من موظفيه ... والانفعال لا يبارح تغضنات وجهه...قال أنا لا أرضى بهذه الأساليب مطلقا ولا أقبل بإهانة أي أحد ...أنا أحترم حقوق الآخرين .. وكل ما صدر كان من خلف ظهري ...وعسى أن تكون بخير ...وأبدى استعداده للانصراف عني ...قبل مغادرته خاطب الجالس معي وأوصاه أن يأخذني لمكتبه بعد انتهاء جرعة المغذي.

نعم ها قد آتت الحركة أكلها ...وأنزلت سيدهم من عرشه الناعم إلى حيث أنا ...بأسرع من البرق نقلت له الأخبار عن وضعي ...وكيف لا تصله بهذه السرعة وهم المعنيون بسريان الأخبار في كل شبر من البلد ... والعالمون بكل حذافير الأمور .. فما بالي وأنا في شباكهم !.. لعلهم صبوا الخبر عليه مع فنجان قهوة الصباح ... ولم يجعلوه يرتشف الهناء من أخباريتهم ...فهبط من مكتبه إلى سريري عاجلا.

لو كان عربيا لما تركته حميته يتصاغر ويزوروني ...لكنه من أمة عرفت بالتجارب حق احترام الإنسان ...وإن كانوا يتنكرون لها كثيرا ...أما العرب ومنهم المواطنون فعنجهيتهم طافحة خصبة ...لا يرون في المدى سوى ذواتهم التافهة ...يتعلمون من الأجنبي الضرب والاعتداء ولا يتعلمون منهم المسح وجبران الخواطر.

لا يستبعد أن يكون هذا الإنجليزي هو الآمر لكل صغيرة قاموا بها معي ...لكنه يلقي بتبعاتها على ظهورهم تثقلها ...ويعطيني وجه البراءة والسماحة ...غريزة التبري من الموبقات تدفعه لتجريمهم مادام حاضرا في غيابهم ... الكل هنا يعتبر ذاته محركا للحسنات والآخرون مصدر السيئات .. والحقيقة لا تقر لهم بوجود هذا الكم من المحاسن في دوائرهم ...يريقون التهم على بعضهم البعض ... فكيف بنا إذن ونحن لا نقع في دائرة مودتهم ..

أنهى المغذي آخر قطراته في أوردتي ... أعادوني إلى مبناهم البغيض مرة أخرى بعد مرات عديدة ... مباشرة إلى مكتب MR BROWN ...هذا ما قاله أحدهم لمرافقي..في طابق أعلى هذه المرة .. .. وفي المصعد لا فوق السلم ...وكأني لأول مرة أقتحم حصنهم ...بدت الوجوه غير الوجوه ...والأخلاق مختلفة والجو ذو طعم رائق.

بقدر ما تكون مكرما يفرزون جرعات معاملتهم ... أوصلني إلى مكتب الضابط MR BROWN ...استقبلني بترحيب مميز وابتسامة رقيقة..طلب مني الجلوس بكل احترام .. سرحت عيني حولي في مكتبه الواسع ..خارطة للبحرين بكل مناطقها ... كبيرة في حجمها ... أمر لي بكوب من الشاي ..قال بصوته السميك وبلغته الإنجليزية : لم أقبل يوما بهذه الأساليب ...ولا أرضى بالتعدي على أحد ...ولا بد من محاسبة المعتدين ..وأخذ يرطن بانجليزيته ومترجمه يفك بعض ما يفوتني ...حين أتوجه له برأسي يدرك أني لم أستوعب بعضا من فقرات خطبته .

ألقى علي درسا في حبهم للأمن والمحافظة على سلامة الوطن ورعاياه ... واحترامهم لنا مادمنا ملتزمين بالولاء للوطن ...واحترامهم لشعائرنا مادامت في خطها المسموح .. قلت له : إذن ما كل هذا العناء الذي أنا فيه ؟.. ولم كل هذه الحرب الشرسة علينا وعلى الموكب؟... إذا كنتم لا تريدونني ممارسة إلقاء القصائد في الموكب فقولوا هذا مباشرة؟...انتقصت شيئا من جلال دعوته بسؤالي..

رأيته كالمطعون في أهنأ ساعات راحته ...بعجلة الرافض رفضا قاطعا قال: ..NO...NO ...وأكد قائلا: نحن لا نمنع ما هو مسموح به !... بل ولا نستطيع طلب ذلك ... كانت أصابعه تعبث بشاربه وهو يحدثني بهدوئه التام ... وعاد يتنصل مما اقترفه تابعوه...يتزين أمامي بأزين ما يستطيع ويجعل القاذورات في وجوههم .. إن كانت حقيقة ما يقول فتلك مصيبة ...وإن لم تكن كذلك فتلك مصيبة أيضا ...من لا تجمعني به أرض ولا دين ولا وطن يعطيني من لسانه تعاطفا يذيب به ما عانيته في يومين ...وأولئك المتسلقون تصعد نعلهم على خدي .. فبين هذا وأولئك قرابة عمل وبعد فن.

لمع صورته حتى باتت كالزجاج لمعانا ...وفي نهاية حديثه أنبأني بإفراجه عني الآن حالا...ويمكنني الذهاب إلى البيت ...واستدرك في كلامه وقال: نريدك أن تزورنا غدا لإتمام بعض الإجراءات اللازمة...ولا يبدو إلا أنه هو الآمر لما صدر علي في اليومين الفائتين .. هو الآمر بتوقيفي وهو الآمر بإطلاقي ...أخطأ في الأولى واستدرك في الثانية...(لها تتمه)

















الفاضل
وليد (نشيط)
وليد (نشيط)

عدد الرسائل : 330
تاريخ التسجيل : 08/06/2007

http://WWW.WALEEDKABA.COM/VB

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى