هل كل «عمامة» مقدّسة؟
صفحة 1 من اصل 1
هل كل «عمامة» مقدّسة؟
حيدر محمد
مَنْ يا ترى أضفى على «العمامة» هالة من القداسة، تعصمها من الزلل السياسي أو النقد الاجتماعي، وهل هذا الوشاح «الأبيض أو الأسود» يعبّر دائماً عن قدرٍ عالٍ من المعرفة الدينية والبصيرة السياسية الواعية؟ والجواب كلا ببداهة، إذ هي قناعة لا تحتاج إلى كثير عناء لندركها.
في البحرين لا أحد يتجرأ إطلاقاً في الاقتراب من مساحة محاسبة «العمامة»؛ لأننا وضعنا حاجزاً كبيراً وحائطاً سميكاً من الرهبة المصطنعة على هذا الزي، حتى أصبح الواحد منّا ليس قادراً على أن يميز بين «العمامة» بمفهومها الذي قامت عليه أساساً كرمز يكن عن جدية صاحبه واستعداده في أن يكون في مقدّمة ركب المضحين دائماً من أجل الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية، وبين مَنْ يمتطي «العمامة» طريقاً معبّداً إلى «الإمارة»!
ماهو محرّم علينا في البحرين - أو ما حّرمنا على أنفسنا القيام به رغباً أو رهباً - كان من أبرز التنظيرات التي ناقشها فلاسفة الشيعة عبر العصور، وعدد ليس قليلا منهم كتب عن ذلك في بحوث منهجية كعلي شريعتي والشهيد مطهري وغيرهما، بل وحتى كبار الفقهاء تصدّوا لهذه المسألة أيضاً من دون تردد، وفي مقدّمتهم الإمام الراحل الخميني الذي تحدّث كثيراً عن دور العمامة في عملية الاستنهاض العلمي والثقافي والاجتماعي لا أن تكون العمامة بوابة للتخلف أو عنواناً كبيراً لمسايرة الظلم أو لقمع الناس زوراً باسم الدين.
وليس ببعيد عنّا ما كتبه الشهيد والمفكر السيد محمد باقر الصدر عندما وجّه سهام النقد لواقع الحوزة الدينية، وكذلك السيد محمد حسين فضل الله وهو من الذين يقفون اليوم أمام فوهة المدافع؛ لأن شريحة لم يرق لها أن يتحدّث عن الواقع بعلاته من دون أن يضفي عليه واقعاً من العصمة كما يفعل الكثيرون.
كل الذين يخطأون سياسياً يعبّرون عن ذواتهم إلا «العمامة» فان خطأها ذو عواقب وخيمة؛لأنه ربما يجر إلى ويلات سيحصد المجتمع مرارتها اليوم أو بعد حين، فالأخطر على الاطلاق أن يؤطر الانحراف السياسي أو التمرد بطلاءٍ ديني.
نعم، ليس كل عمامةٍ متمردة على واقعها هي عمامة ساذجة حتى وإن رأى المجتمع أنها تغرد خارج السرب، ولكن في المقابل فإن بعض العمائم المتمردة قد تمارس إسفافاً فكرياً قبيحاً؛ لأن طبائع الشر تتجلى في صورتها الحقيقية حين تنجر الذات إلى «الفتات» على حساب كرامة الأمة أو على قاعدة «وإن...» التي صنعت كل مآسينا!
مع الأسف هناك بعض «المفرخات» التي تنتج ثقافة «العمامة المدجنة»، ولعل أكثر التعابير بلاغةّ في مواجهتها وكشفها ما ذكره الإمام الخميني من «أننا لسنا بحاجة إلى علماء للحيض والنفاس فقط»...، لأن الزمن الذي يخبّئ فيه «المعممون» أخطاءهم خلف عمائمهم لتوفر لهم ملاذاً آمناً من المحاسبة الجادة زمن انتهى ولا أحسبه أنه سيعود تارة أخرى.
وهنا يحضرني شيء مما كتبه الشهيد السيد محمد باقر الحكيم الذي فرز مناهج الإصلاح في الحوزة الدينية، وأعتبر أن حركة الإصلاح في الحوزات العلمية سارت ضمن منهجين رئيسيين، قد يلتقيان في بعض المفردات والمصاديق ولكنهما يختلفان بشكل رئيسي في المنطلقات الأساسية والتصور العام.
وذكر الحكيم أيضاً أن «الحركة الإصلاحية تارة تكون من خلال المفاهيم والشعارات المطروحة من قبل أصحابها وأخرى من خلال الجهد الواقعي المبذول في تحقيق الإصلاح خارجياً وحجم الموقع والمسئولية والضغوط والتضحيات التي يتحملها رجل الإصلاح أو الجماعة، إذ إن طرح المفاهيم والشعارات قد يكون في بعض الظروف أمراً ميسوراً وسهلاً خصوصاً في زمن الحريات، ولكن المهم هو تطبيق وتنفيذ وإسقاط هذه المفاهيم والشعارات على الواقع العملي».
وعوداّ على بدء، لا ينبغي أن ننسى أيضاً أن هناك - وكما في كل مقطع زمني - من اتخذ الحوزة أو»العمامة» جسراً سريعاً يصله بحلم السيطرة والدولة والهيمنة والاجترار، والبعض وصل إلى مستوى من الضحالة الفكرية والسطحية السياسة ما لا يستطيع أن ينقد منها نفسه لا أن يكون مؤتمناً على حركة توجيه الأمّة وتحديد أصوبية خياراتها السياسية.
إننا لسنا بحاجة إلى تمردٍ على الحوزة؛ لأن ذلك يجعل التقدير الفقهي والسياسي رهيناً بكل من هبّ ودب، وهو أمر لا يتقبله العقلاء قطعاً ولمسنا نتائجه بأم أعيننا، ولكن المطلوب تمرد من الحوزة لأجل الحوزة، ولأجل أن تعود الحوزة إلى تخريج عباقرة وعمالقة كالشهيد الصدر مجدداً، ولتصرخ الحوزة بملء فيها بأن «زي العمامة» ليس ترفاً وليس سلعة ولا ينبغي أن يتوج بها كل مَنْ درس شطراً من متن الآجرومية»، ويعود السؤال الجدلي مجدداً: هل كل عمامةٍ مقدّسة؟!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى