تقرير دين
صفحة 1 من اصل 1
تقرير دين
في الإنسان بعد الموت
إهداء ثواب الاعمال للاموات
سؤال: هل يستفيد الإنسان الميّت من الأعمال التي يهدي الأحياء ثوابَها إليه ؟
جواب: في كثير من آيات القرآن الكريم يَقرِن الله سبحانه وتعالى الإيمانَ بالعمل الصالح، مثل: الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. فلا يمكن الاعتماد على إيمان يخلو من العمل.
ومن فضل الله وكرمه أنّه وسّع على الإنسان فرصة الانتفاع بالعمل بعد الموت. وهذه الأعمال التي تتحقق بعد الموت على نوعين:
الأول: أن يقوم الإنسان في إيام حياته الدنيا بعمل يظلّ من بعده، فينتفع الناس منه، كأن يترك صدقة جارية، أو علماً مفيداً للآخرين، أو ولداً صالحاً ربّاه وهذّبه فهو يدعو له. وهذه من الأعمال التي يستمرّ ثوابها وأثرها الايجابي بعد رحيل صاحبها إلى الآخرة ولا ينقطع بموت صاحبها. ومثل هذه الأعمال أيضاً: جسر يبنيه لخدمة خلق الله، ونهر يُجريه، ومدرسة يشيّدها، وطريق يعبّده، ومشروع خيري يقدّم الخدمات لعباد الله المحرومين.
في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (إنّ ممّا يَلحقُ المؤمنَ من عمله وحسناته بعد موته: علماً علّمه ونَشَره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحّته وحياته تلحقه مِن بَعد موته) (1).
وعنه أيضاً صلّى الله عليه وآله: (أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مُرابطاً في سبيل الله، ورجل علّم علماً فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقةً فأجرها له ما جَرَت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له) (2).
وقد نقل ابن قيّم الجوزيّة روايات كثيرة في كتابه (الروح) تدلّ على هذا المعنى، فقال: وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميّت شيء البتّة لا بدعاء ولا بغيره. ثمّ قال: والدليل على انتفاعه بما تسبّب إليه في حياته ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ مِن ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (3).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث جرير بن عبدالله أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (مَن سَنّ سُنّةً حسنة عُمل بها من بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً...) (4).
النوع الثاني: أن لا يكون للإنسان الميت في العمل من سعي. ويظهر من القرآن والسنّة أنّ الله تبارك وتعالى يتفضل بجوده وكرمه فيوصل إلى عبده الميت من ثواب عمل غيره إذا ناب فيه عنه.
من ذلك:
• استغفار الملائكة للمؤمنين. قال عزّوجل في سورة (المؤمن): الذينَ يحملونَ العرشَ ومَن حولَهُ يُسبِّحونَ بحمدِ ربِّهم ويؤمنونَ به ويَستغفرونَ للذينَ آمنوا: ربَّنا وَسِعتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلماً، فاغفِرْ للذينَ تابوا واتَّبعوا سبيلَك، وقِهِمْ عذابَ الجحيم (5).
• دعاء المؤمنين. نقرأ في سورة الحشر: والذين جاؤوا مِن بَعدِهم يقولون: ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا الذين سَبَقونا بالإيمان، ولا تَجعلْ في قُلوبنا غِلاًّ للذينَ آمنوا، ربَّنا إنك رؤوف رحيم (6).
أمّا الأحاديث الشريفة.. فيدلّ كثير منها على انتفاع الميت بعمل غيره. وقد تواتَر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه كان يزور دُفَناء بَقيع الغَرقَد ويدعو لهم، ويزور شهداء أُحد ويعمّهم بالدعاء. وقد تكرّر منه ذلك، فانّه لو لم يكونوا ينتفعون بدعائه صلّى الله عليه وآله لَما قام به.
والروايات الكثيرة تدل على انتفاع الميت بعمل غيره نيابةً عنه في مجالات شتى. وقد توزّعت الروايات في الصحاح والمسانيد على مختلف الأبواب، كالصوم والحج والعِتق والنَّذر والتصدّق والسَّقي وقراءة القرآن. لاحظ في هذا الصدد: صحيح مسلم 155:3 ـ 156، باب قضاء الصيام عن الميت، و 73:5 و 78، كتاب النذر. كنز العمّال 15:6. جامع الأصول ج 8. التوسل والزيارة في الشريعة الاسلامية، للشيخ محمد الفقي 229.. وغيرها من المصادر.
* * *
سؤال: ما هو الأجل المخترم والأجل المحتوم ؟
جواب: الأجل المُختَرم هو الأجل المنقطع الذي يبدو للناس أنّ صاحبه مات قبل حينه، ومنه موت البعض بحادثٍ ما غرقاً أو حرقاً. وقد جاء في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السّلام: اللهمّ لا تجعلنا من السَّواد المُخترم »، أي الهالك المُستأصَل.
أمّا الأجل المحتوم ويقابله الأجل الموقوف، فقد ورد عن أئمّة الهدى عليهم السّلام أنّ الأجل الموقوف هو الأجل الذي اختصّ الله عزّوجلّ به فلم يُطلع عليه أنبياءه ورسله وملائكته عليهم السّلام، فهو يزيد فيه وينقص كما يشاء وخاصّة في ليلة القدر، وقد يغيّره الله عزّوجلّ نتيجة الصدقة وصلَة الرحم وغيرها من الأعمال التي تزيد في العمر، ومنه قوله تعالى يمحو اللهُ ما يشاءُ ويُثْبتُ وعنده أُمُّ الكتاب .
أمّا الأجل المحتوم فهو الأجل الذي عَلِمه الله عزّوجل وأطْلع عليه أنبياءه ورسله وملائكته، فهو تعالى لا يزيد فيه ولا ينقص. فكلّ ما أخبر اللهُ عزّوجل به أنبياءه وملائكته واقعٌ لا محالة، وهو من المحتوم.
* * *
سؤال: قال الله تعالى في قرآنه الكريم: كُلُّ شَيءٍ هالكٌ إلاّ وَجْهَه (7)، وورد في الحديث « خُلقتم للبقاء، لا للفناء »، ويُقال إنّ الروح قد وُجدت قبل البدن، وأنّها لا تفنى. فما هو رأيكم في هذا الصدد ؟
الجواب: يمكن أن يكون الهلاك المشار إليه في الآية الكريمة « كلُّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وَجهَه » بمعنى الموت، وهو عبارة عن زوال تصرّف الروح في البدن، أي كلّ شيءٍ فانٍ بائد إلاّ ذاته عزّوجلّ. وفيه دلالة على أنّ الأجسام تفنى ثمّ تُعاد. وقيل: معناه كلّ شيء هالك إلاّ ما أُريد به وجهَه؛ فإنّ ذلك يبقى ثوابُه. وعلى أيّة حال، فليس في الآية دلالة على فناء الروح ليتنافى مع حديث « ما خُلقتم للفناء، بل خُلقتم للبقاء » (. يُضاف إلى ذلك أنّ المراد من الحديث قد يكون أنّ الفناء ليس نهاية هذه الخِلقة وغايتها، بل كانت الخلقة مقدّمة للبقاء الخالد.
* * *
عن العلم الالهي
سؤال: نسمع كثيراً بعقيدة « الرجعة » ولا نعرف معناها من الناحية الاعتقاديّة، فضلاً عن أدلّتها.. فمِن أين جاءتنا ؟ وهل في القرآن الكريم إشارةٌ واضحة إليها ؟ أجيبونا مشكورين.
الجواب: الأخ السائل الكريم.. الرجعة تعني أن الله تبارك وتعالى سيُعيد أقواماً من الأموات إلى الدنيا في صُوَرهم التي كانوا عليها، وهم على قسمين: مَن مَحَض الإيمانَ مَحضاً في حياته الأُولى، ومَن كان قد مَحَض الكفر محضاً فيها، ثمّ يُديل اللهُ سبحانه وتعالى المُحقّين من المُبطلين، والمظلومين من الظالمين.. وذلك سيَحدث ـ كما في اعتقاد الإماميّة ـ لدى قيام الإمام المهديّ عليه السّلام، ثمّ يصير الجميع إلى الموت مرّةً أخرى.
هذا هو الشائع بين جمهور الإماميّة؛ أخْذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السّلام، منذ عهد الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسيّ، وحتّى العلاّمة المجلسيّ والحرّ العامليّ، إلى الفقهاء والعلماء المتأخّرين والمعاصرين.
إذن، فالرجعة ـ أخي السائل ـ تُعَدّ جانباً مكمِّلاً لفكرة المهدويّة في الإسلام والتي يتّفق المسلمون جميعاً على أصلها، ولذا نرى الرجعة والمهدويّة عقيدتين تشتركان في مضمونٍ متكامل، هو انتصار العدل واندحار الباطل في المطاف الأخير من التاريخ البشريّ.. فلا مانعَ بعد هذا أن يشترك المسلمون من خلال اعتقادهم بأصل الفكرة المهدويّة أن يُؤمنوا بالرجعة كجانبٍ تأكيديّ على ذلك الأصل وامتدادٍ تفصيليّ له، وبُعْدٍ بيانيّ شارح له.
وأمّا الأدلّة على ثبوت عقيدة الرجعة فكثيرة، نذكر منها ابتداءً:
أنّ الرجعة نوعٌ من المَعاد الأُخرويّ، لا يختلف عنه شيئاً سوى أنّ الرجعة مَعادٌ دنيويّ يكون في آخر الزمان لبعض الناس، وذاك المعاد رجعةٌ أُخرويّة شاملة لكلّ البشرية؛ لذا كلُّ ما يُؤتى به دليلاً على إمكان المعاد الأُخرويّ يُعَدّ دليلاً على إمكان الرجعة.
ثمّ فكرة الرجعة لا تصطدم مع أيِّ جانبٍ من جوانب العقيدة الإسلاميّة، بل الرجعة بذاتها تُعطي تعميقاً أكبر لأصول الدين الخمسة.. كيف ؟ إنّ الرجعة مظهرٌ يجسّد قدرة الله تبارك وتعالى المطلقة، ويجسّد عدالةَ خطّ النبوّات وفاعليّةَ الإمامة وواقعيّة المعاد ليوم القيامة.
هذا.. وللرجعة أدلّتها الواضحة في القرآن، يراها مَن طرد عن عينيه غشاوةَ التعصّب الباطل، فنقرأ في سورة البقرة مثلاً قوله تعالى: ألَمْ تَرَ إلى الذينَ خَرَجوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلوفٌ حَذَرَ المَوتِ فقالَ لهمُ اللهُ مُوتُوا ثمّ أحياهُم، إنّ اللهَ لَذو فَضلٍ على الناسِ ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يَشكُرون (9).. وقد روى المفسّرون، ومنهم ابن جرير الطبريّ، عِدّة رواياتٍ عن ابن عبّاس ووهب بن مُنبّه ومجاهد والسُّدّي وعطاء أنّها في شأن قومٍ مِن بني إسرائيل هربوا من طاعونٍ وقع في قريتهم، فأماتَهم الله، ومَرّ بهم نبيٌّ اسمه « حِزْقِيل » فوقف متفكِّراً في أمرهم، وكانت قد بَلِيت أجسادُهم، فأوحى اللهُ إليه: أتريد أن أُريَك فيهم كيف أُحييهم ؟ فأحياهم له (10).
ونقرأ أيضاً قوله تعالى: وإذْ قُلتُم يا موسى لن نُؤمِنَ لكَ حتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فأخَذَتْكمُ الصاعِقَةُ وأنتم تَنظُرون * ثُمّ بَعَثناكُم مِن بعدِ مَوتِكُم لَعلّكُم تَشكرُون (11)، روى المفسّرون أنّهم ماتوا جميعاً بعد قولهم ذلك، وأنّ موسى عليه السّلام لم يَزَل يناشد ربَّه عزّوجلّ ويطلب إليه حتّى ردّ إليهم أرواحَهم. (12)
فالرجعة ظاهرةٌ حكَتْ آياتُ القرآن الكريم أنّها وَقَعتْ وتكرّرت في حياة الأمم وحِقَب النبوّات السابقة.
بقيَ علينا أن نَتَثبّتْ أنّها ستقع أيضاً فيما بعد، ذاكرين أدلّة ذلك من كتاب الله العزيز:
• قال تعالى: ويَومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فَوْجاً مِمّن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزَعُون (13). نجد الآية الشريفة هذه تتحدّث عن حشرٍ سوف يكون لبعض الناس، وهو غير حشر يوم القيامة الذي يكون عامّاً، وإنّما حشرٌ لفوجٍ مِن كلّ أمّة لا جميع الناس؛ حيث يقول تعالى: .. وكُلٌّ أَتَوهُ داخِرين (14).
• وقال تعالى: كيف تكفُرون باللهِ وكنتُم أمواتاً فأحياكُم ثمّ يُميتُكم ثمّ يُحييكُم ثمّ إليه تُرجَعُون (15)، فذكَرَ سبحانه وتعالى حياتينِ للإنسان هنا، بعدَهما رجوعٌ إليه تبارك وتعالى.. الحياة الأولى هي الحياة الدنيويّة، والحياة الثانية تكون بين الحياة الأُولى وبين الرجوع إلى الله عزّوجلّ، ولا يمكن أن تكون هذه الحياةُ الثانية إلاّ الرجعة.
• وقال تعالى على لسان الكافرين: قالُوا: ربَّنا أمَتَّنا آثنتَينِ وأحيَيْتَنا آثنتَينِ فآعتَرَفْنا بذُنُوبِنا فهَلْ إلى خُروجٍ مِن سَبيل ؟ (16)، فالإماتة سَبَقَتها حياةٌ، فكانت هنالك مَوتتان تخلّلتْهما حياتان، الأولى هي الدنيويّة المعهودة، والحياة الثانية هي الرجعة بعد الموتة الأُولى وقبل الموتة الثانية. وهذا أمرٌ يتّضح لكلّ مَن يكون له أدنى تأمّلٍ في الآية الشريفة.
أمّا روايات الرجعة فكثيرة، ذكرَتْها مجموعةٌ من مصادر المسلمين، في طليعتها كتاب « الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة » للشيخ الحرّ العامليّ.
والحمد لله ربِّ العالمين.
* * *
سؤال: هل يجوز تأمين جثة الميّت في الأرض بعد تغسيله وتكفينه والصلاة عليه لحين نقله إلى مكان آخر كما هو مشاع بين الناس ؟
الجواب: إذا صدق عنوان الدفن في الأرض لا يجوز نقله إلى مكان آخر إلاّ في حالات خاصة. والتأمين لا يبرّر النقل والإخراج.
إهداء ثواب الاعمال للاموات
سؤال: هل يستفيد الإنسان الميّت من الأعمال التي يهدي الأحياء ثوابَها إليه ؟
جواب: في كثير من آيات القرآن الكريم يَقرِن الله سبحانه وتعالى الإيمانَ بالعمل الصالح، مثل: الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. فلا يمكن الاعتماد على إيمان يخلو من العمل.
ومن فضل الله وكرمه أنّه وسّع على الإنسان فرصة الانتفاع بالعمل بعد الموت. وهذه الأعمال التي تتحقق بعد الموت على نوعين:
الأول: أن يقوم الإنسان في إيام حياته الدنيا بعمل يظلّ من بعده، فينتفع الناس منه، كأن يترك صدقة جارية، أو علماً مفيداً للآخرين، أو ولداً صالحاً ربّاه وهذّبه فهو يدعو له. وهذه من الأعمال التي يستمرّ ثوابها وأثرها الايجابي بعد رحيل صاحبها إلى الآخرة ولا ينقطع بموت صاحبها. ومثل هذه الأعمال أيضاً: جسر يبنيه لخدمة خلق الله، ونهر يُجريه، ومدرسة يشيّدها، وطريق يعبّده، ومشروع خيري يقدّم الخدمات لعباد الله المحرومين.
في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (إنّ ممّا يَلحقُ المؤمنَ من عمله وحسناته بعد موته: علماً علّمه ونَشَره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحّته وحياته تلحقه مِن بَعد موته) (1).
وعنه أيضاً صلّى الله عليه وآله: (أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مُرابطاً في سبيل الله، ورجل علّم علماً فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقةً فأجرها له ما جَرَت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له) (2).
وقد نقل ابن قيّم الجوزيّة روايات كثيرة في كتابه (الروح) تدلّ على هذا المعنى، فقال: وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميّت شيء البتّة لا بدعاء ولا بغيره. ثمّ قال: والدليل على انتفاعه بما تسبّب إليه في حياته ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ مِن ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (3).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث جرير بن عبدالله أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (مَن سَنّ سُنّةً حسنة عُمل بها من بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً...) (4).
النوع الثاني: أن لا يكون للإنسان الميت في العمل من سعي. ويظهر من القرآن والسنّة أنّ الله تبارك وتعالى يتفضل بجوده وكرمه فيوصل إلى عبده الميت من ثواب عمل غيره إذا ناب فيه عنه.
من ذلك:
• استغفار الملائكة للمؤمنين. قال عزّوجل في سورة (المؤمن): الذينَ يحملونَ العرشَ ومَن حولَهُ يُسبِّحونَ بحمدِ ربِّهم ويؤمنونَ به ويَستغفرونَ للذينَ آمنوا: ربَّنا وَسِعتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلماً، فاغفِرْ للذينَ تابوا واتَّبعوا سبيلَك، وقِهِمْ عذابَ الجحيم (5).
• دعاء المؤمنين. نقرأ في سورة الحشر: والذين جاؤوا مِن بَعدِهم يقولون: ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا الذين سَبَقونا بالإيمان، ولا تَجعلْ في قُلوبنا غِلاًّ للذينَ آمنوا، ربَّنا إنك رؤوف رحيم (6).
أمّا الأحاديث الشريفة.. فيدلّ كثير منها على انتفاع الميت بعمل غيره. وقد تواتَر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه كان يزور دُفَناء بَقيع الغَرقَد ويدعو لهم، ويزور شهداء أُحد ويعمّهم بالدعاء. وقد تكرّر منه ذلك، فانّه لو لم يكونوا ينتفعون بدعائه صلّى الله عليه وآله لَما قام به.
والروايات الكثيرة تدل على انتفاع الميت بعمل غيره نيابةً عنه في مجالات شتى. وقد توزّعت الروايات في الصحاح والمسانيد على مختلف الأبواب، كالصوم والحج والعِتق والنَّذر والتصدّق والسَّقي وقراءة القرآن. لاحظ في هذا الصدد: صحيح مسلم 155:3 ـ 156، باب قضاء الصيام عن الميت، و 73:5 و 78، كتاب النذر. كنز العمّال 15:6. جامع الأصول ج 8. التوسل والزيارة في الشريعة الاسلامية، للشيخ محمد الفقي 229.. وغيرها من المصادر.
* * *
سؤال: ما هو الأجل المخترم والأجل المحتوم ؟
جواب: الأجل المُختَرم هو الأجل المنقطع الذي يبدو للناس أنّ صاحبه مات قبل حينه، ومنه موت البعض بحادثٍ ما غرقاً أو حرقاً. وقد جاء في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السّلام: اللهمّ لا تجعلنا من السَّواد المُخترم »، أي الهالك المُستأصَل.
أمّا الأجل المحتوم ويقابله الأجل الموقوف، فقد ورد عن أئمّة الهدى عليهم السّلام أنّ الأجل الموقوف هو الأجل الذي اختصّ الله عزّوجلّ به فلم يُطلع عليه أنبياءه ورسله وملائكته عليهم السّلام، فهو يزيد فيه وينقص كما يشاء وخاصّة في ليلة القدر، وقد يغيّره الله عزّوجلّ نتيجة الصدقة وصلَة الرحم وغيرها من الأعمال التي تزيد في العمر، ومنه قوله تعالى يمحو اللهُ ما يشاءُ ويُثْبتُ وعنده أُمُّ الكتاب .
أمّا الأجل المحتوم فهو الأجل الذي عَلِمه الله عزّوجل وأطْلع عليه أنبياءه ورسله وملائكته، فهو تعالى لا يزيد فيه ولا ينقص. فكلّ ما أخبر اللهُ عزّوجل به أنبياءه وملائكته واقعٌ لا محالة، وهو من المحتوم.
* * *
سؤال: قال الله تعالى في قرآنه الكريم: كُلُّ شَيءٍ هالكٌ إلاّ وَجْهَه (7)، وورد في الحديث « خُلقتم للبقاء، لا للفناء »، ويُقال إنّ الروح قد وُجدت قبل البدن، وأنّها لا تفنى. فما هو رأيكم في هذا الصدد ؟
الجواب: يمكن أن يكون الهلاك المشار إليه في الآية الكريمة « كلُّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وَجهَه » بمعنى الموت، وهو عبارة عن زوال تصرّف الروح في البدن، أي كلّ شيءٍ فانٍ بائد إلاّ ذاته عزّوجلّ. وفيه دلالة على أنّ الأجسام تفنى ثمّ تُعاد. وقيل: معناه كلّ شيء هالك إلاّ ما أُريد به وجهَه؛ فإنّ ذلك يبقى ثوابُه. وعلى أيّة حال، فليس في الآية دلالة على فناء الروح ليتنافى مع حديث « ما خُلقتم للفناء، بل خُلقتم للبقاء » (. يُضاف إلى ذلك أنّ المراد من الحديث قد يكون أنّ الفناء ليس نهاية هذه الخِلقة وغايتها، بل كانت الخلقة مقدّمة للبقاء الخالد.
* * *
عن العلم الالهي
سؤال: نسمع كثيراً بعقيدة « الرجعة » ولا نعرف معناها من الناحية الاعتقاديّة، فضلاً عن أدلّتها.. فمِن أين جاءتنا ؟ وهل في القرآن الكريم إشارةٌ واضحة إليها ؟ أجيبونا مشكورين.
الجواب: الأخ السائل الكريم.. الرجعة تعني أن الله تبارك وتعالى سيُعيد أقواماً من الأموات إلى الدنيا في صُوَرهم التي كانوا عليها، وهم على قسمين: مَن مَحَض الإيمانَ مَحضاً في حياته الأُولى، ومَن كان قد مَحَض الكفر محضاً فيها، ثمّ يُديل اللهُ سبحانه وتعالى المُحقّين من المُبطلين، والمظلومين من الظالمين.. وذلك سيَحدث ـ كما في اعتقاد الإماميّة ـ لدى قيام الإمام المهديّ عليه السّلام، ثمّ يصير الجميع إلى الموت مرّةً أخرى.
هذا هو الشائع بين جمهور الإماميّة؛ أخْذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السّلام، منذ عهد الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسيّ، وحتّى العلاّمة المجلسيّ والحرّ العامليّ، إلى الفقهاء والعلماء المتأخّرين والمعاصرين.
إذن، فالرجعة ـ أخي السائل ـ تُعَدّ جانباً مكمِّلاً لفكرة المهدويّة في الإسلام والتي يتّفق المسلمون جميعاً على أصلها، ولذا نرى الرجعة والمهدويّة عقيدتين تشتركان في مضمونٍ متكامل، هو انتصار العدل واندحار الباطل في المطاف الأخير من التاريخ البشريّ.. فلا مانعَ بعد هذا أن يشترك المسلمون من خلال اعتقادهم بأصل الفكرة المهدويّة أن يُؤمنوا بالرجعة كجانبٍ تأكيديّ على ذلك الأصل وامتدادٍ تفصيليّ له، وبُعْدٍ بيانيّ شارح له.
وأمّا الأدلّة على ثبوت عقيدة الرجعة فكثيرة، نذكر منها ابتداءً:
أنّ الرجعة نوعٌ من المَعاد الأُخرويّ، لا يختلف عنه شيئاً سوى أنّ الرجعة مَعادٌ دنيويّ يكون في آخر الزمان لبعض الناس، وذاك المعاد رجعةٌ أُخرويّة شاملة لكلّ البشرية؛ لذا كلُّ ما يُؤتى به دليلاً على إمكان المعاد الأُخرويّ يُعَدّ دليلاً على إمكان الرجعة.
ثمّ فكرة الرجعة لا تصطدم مع أيِّ جانبٍ من جوانب العقيدة الإسلاميّة، بل الرجعة بذاتها تُعطي تعميقاً أكبر لأصول الدين الخمسة.. كيف ؟ إنّ الرجعة مظهرٌ يجسّد قدرة الله تبارك وتعالى المطلقة، ويجسّد عدالةَ خطّ النبوّات وفاعليّةَ الإمامة وواقعيّة المعاد ليوم القيامة.
هذا.. وللرجعة أدلّتها الواضحة في القرآن، يراها مَن طرد عن عينيه غشاوةَ التعصّب الباطل، فنقرأ في سورة البقرة مثلاً قوله تعالى: ألَمْ تَرَ إلى الذينَ خَرَجوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلوفٌ حَذَرَ المَوتِ فقالَ لهمُ اللهُ مُوتُوا ثمّ أحياهُم، إنّ اللهَ لَذو فَضلٍ على الناسِ ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يَشكُرون (9).. وقد روى المفسّرون، ومنهم ابن جرير الطبريّ، عِدّة رواياتٍ عن ابن عبّاس ووهب بن مُنبّه ومجاهد والسُّدّي وعطاء أنّها في شأن قومٍ مِن بني إسرائيل هربوا من طاعونٍ وقع في قريتهم، فأماتَهم الله، ومَرّ بهم نبيٌّ اسمه « حِزْقِيل » فوقف متفكِّراً في أمرهم، وكانت قد بَلِيت أجسادُهم، فأوحى اللهُ إليه: أتريد أن أُريَك فيهم كيف أُحييهم ؟ فأحياهم له (10).
ونقرأ أيضاً قوله تعالى: وإذْ قُلتُم يا موسى لن نُؤمِنَ لكَ حتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فأخَذَتْكمُ الصاعِقَةُ وأنتم تَنظُرون * ثُمّ بَعَثناكُم مِن بعدِ مَوتِكُم لَعلّكُم تَشكرُون (11)، روى المفسّرون أنّهم ماتوا جميعاً بعد قولهم ذلك، وأنّ موسى عليه السّلام لم يَزَل يناشد ربَّه عزّوجلّ ويطلب إليه حتّى ردّ إليهم أرواحَهم. (12)
فالرجعة ظاهرةٌ حكَتْ آياتُ القرآن الكريم أنّها وَقَعتْ وتكرّرت في حياة الأمم وحِقَب النبوّات السابقة.
بقيَ علينا أن نَتَثبّتْ أنّها ستقع أيضاً فيما بعد، ذاكرين أدلّة ذلك من كتاب الله العزيز:
• قال تعالى: ويَومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فَوْجاً مِمّن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزَعُون (13). نجد الآية الشريفة هذه تتحدّث عن حشرٍ سوف يكون لبعض الناس، وهو غير حشر يوم القيامة الذي يكون عامّاً، وإنّما حشرٌ لفوجٍ مِن كلّ أمّة لا جميع الناس؛ حيث يقول تعالى: .. وكُلٌّ أَتَوهُ داخِرين (14).
• وقال تعالى: كيف تكفُرون باللهِ وكنتُم أمواتاً فأحياكُم ثمّ يُميتُكم ثمّ يُحييكُم ثمّ إليه تُرجَعُون (15)، فذكَرَ سبحانه وتعالى حياتينِ للإنسان هنا، بعدَهما رجوعٌ إليه تبارك وتعالى.. الحياة الأولى هي الحياة الدنيويّة، والحياة الثانية تكون بين الحياة الأُولى وبين الرجوع إلى الله عزّوجلّ، ولا يمكن أن تكون هذه الحياةُ الثانية إلاّ الرجعة.
• وقال تعالى على لسان الكافرين: قالُوا: ربَّنا أمَتَّنا آثنتَينِ وأحيَيْتَنا آثنتَينِ فآعتَرَفْنا بذُنُوبِنا فهَلْ إلى خُروجٍ مِن سَبيل ؟ (16)، فالإماتة سَبَقَتها حياةٌ، فكانت هنالك مَوتتان تخلّلتْهما حياتان، الأولى هي الدنيويّة المعهودة، والحياة الثانية هي الرجعة بعد الموتة الأُولى وقبل الموتة الثانية. وهذا أمرٌ يتّضح لكلّ مَن يكون له أدنى تأمّلٍ في الآية الشريفة.
أمّا روايات الرجعة فكثيرة، ذكرَتْها مجموعةٌ من مصادر المسلمين، في طليعتها كتاب « الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة » للشيخ الحرّ العامليّ.
والحمد لله ربِّ العالمين.
* * *
سؤال: هل يجوز تأمين جثة الميّت في الأرض بعد تغسيله وتكفينه والصلاة عليه لحين نقله إلى مكان آخر كما هو مشاع بين الناس ؟
الجواب: إذا صدق عنوان الدفن في الأرض لا يجوز نقله إلى مكان آخر إلاّ في حالات خاصة. والتأمين لا يبرّر النقل والإخراج.
الجريح- وليد (نشيط)
- عدد الرسائل : 333
تاريخ التسجيل : 28/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى