فاطمة الزهراء ( ع )
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فاطمة الزهراء ( ع )
حوزة الهدى للدراسات الإسلامية
تم جمع هذه المادة من مصادر مختلفة
فاطمة الزهراء (ع)
بطاقة الهوية:
الاسم: فاطمة الزهراء (ع).
اللقب: الزهراء.
الكنية: أم الأئمة.
اسم الأب: محمد بن عبد الله (ص).
اسم الأم: خديجة بنت خويلد.
الولادة: 20 جمادى الثانية عام 5 بعد البعثة.
الشهادة: 13 جمادى الأولى عام 11 هـ.
مكان الدفن: مجهول عند الناس.
حياة السيدة الزهراء (ع):
ولدت السيدة فاطمة الزهراء (ع) بعد مبعث الرسول (ص) بخمس سنين في بيت الطهارة والإيمان لتكون رمز المرأة المسلمة وسيدة نساء العالمين وأم الأئمة حيث كانت القطب الجامع بين النبوة والإمامة. فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.
طفولة فاطمة (ع):
نشأت فاطمة الزهراء (ع) في بيت النبوة ومهبط الرسالة فكان أبوها رسول الله (ص) يفيض عليها من معارفه الربانية والعلوم الإلهية.
وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الابنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد. ولم تكد تبلغ الخامسة من عمرها حتى توفيت أمها خديجة فكانت تلوذ بأبيها رسول الله (ص) الذي بات سلوتها الوحيدة فوجدت عنده كل ما تحتاجه من العطف والحنان والحب والاحترام. ووجد فيها قرة عينه وسلوت أحزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامه به كالأم الحنون حتى قال عنها: "فاطمة أم أبيها".
هجرة فاطمة (ع):
بعد أن غادر النبي (ص) مكة متوجهاً إلى المدينة لحق الإمام علي (ع) به ومعه الفواطم، ومنهم فاطمة الزهراء (ع)، وكان عمرها آنذاك سبع سنوات، فلحقوا جميعًا بالنبي (ص) الذي كان بانتظارهم ودخلوا المدينة معًا.
زواج فاطمة (ع) من علي (ع):
ما بلغت فاطمة الزهراء (ع) التاسعة من العمر حتى بدا عليها كل ملامح النضوج الفكري والرشد العقلي فتقدم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبي (ص) ولكنه كان يردهم بلطف معتذراً بأن أمرها إلى ربها.
وخطبها علي (ع) فوافق النبي (ص) ووافقت فاطمة وتمّ الزواج على مهر قدره خمسمائة درهم، فباع علي درعه لتأمين هذا المهر ولتأثيث البيت الذي سيضمهما فكان أن بسط أرض الحجرة بالرمل ونصب عوداً لتُعلق به القربة واشترى جرةً وكوزًا، وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدة من ليف.
لقد كان هذا البيت المتواضع غنياً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الإيمانية العالية فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الألفة والوئام والحب والاحترام حتى قال علي (ع) يصف حياتهما معاً.
فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وقد كانا قد تقاسما العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. وقد أثمر هذا الزواج ثماراً طيبة، الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
تعلق رسول الله (ص) بابنته فاطمة (ع) تعلقًا خاصًا لما كان يراه فيها من وعي وتقوى وإخلاص فأحبها حباً شديداً إلى درجة أنه كان لا يصبر على البعد عنها، فقد كان إذا أراد السفر جعلها آخر من يودع وإذا قدم من السفر جعلها أول من يلقى.
وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبلها بل ربما قبل يدها. وكان (ص) يقول: "فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".
ومع ذلك فقد جاءته يومًا تشكو إليه ضعفها وتعبها في القيام بعمل المنزل وتربية الأولاد وتطلب منه أن يهب لها جارية تخدمها. ولكنه قال لها: أعطيك ما هو خيرٌ من ذلك، وعلمها تسبيحة خاصة تستحب بعد كل صلاة وهي التكبير أربعًا وثلاثين مرة والتحميد ثلاثًا وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثًا وثلاثين مرة وهذه التسبيحة عرفت فيما بعد بتسبيحة الزهراء.
هكذا يكون البيت النبوي، لا يقيم للأمور المادية وزناً، ويبقى تعلقه قوياً بالأمور المعنوية ذات البعد الروحي والأخروي.
فاطمة العالمة العابدة:
لقد تميزت السيدة الزهراء بمستواها العلمي العميق من خلال اهتمامها بجمع القرآن وتفسيره والتعليق بخطها على هامش آياته المباركة حتى صار عندها مصحف عُرف بمصحف فاطمة (ع). وقد برزت علومها الإلهية في الخطبة الشهيرة التي ألقتها في مسجد النبي (ص) بحضور المهاجرين والأنصار مطالبة بحقها في فدك حيث ظن بعض من سمعها أن رسول الله(ص) بعث من جديد لبلاغتها وفصاحتها وبعد مراميها وعمق فهمها للإسلام وأحكامه.
كل ذلك دعاها لتكون العابدة المتهجدة الناسكة الزاهدة الورعة حيث كانت تقوم في الليل حتى تتورّم قدماها ثم تدعو لجيرانها ثم لعموم المؤمنين قبل أن تدعو لنفسها حتى عُرف عنها أنها "محدَّثة" أي كانت تأتيها الملائكة فتحدثها.
فاطمة بعد النبي (ص):
عندما حضرت رسول الله (ص) الوفاة أسرَّ إليها بكلمة فبكت، ثم أسرّ إليها بكلمة فضحكت فسألها البعض عن ذلك بعد وفاة النبي (ص) فقالت: أخبرني أنه راحل عن قريب فبكيت ثم أخبرني إني أول الناس لحاقا به فضحكت.
ولم يكد جثمان رسول الله (ص) يغيب في الثرى حتى بدأت مظلومية الزهراء تتعاظم فقد اغتصب حق بعلها بالخلافة ثم اغتصب حقها في فدك، وهي قرية كان النبي (ص) قد وهبها لها في حياته. ولم يراعِ القومُ في ذلك مقامها ومنزلتها عند النبي ولم يحفظوا فيها وصيته فاشتد حزنها على فراق أبيها ومظلوميَّة بعلها فكثر بكاؤها حتى ماتت حزنًا وكمداً بعد خمسٍ وسبعين يوماً من وفاة والدها (ص) فدفنها علي (ع) سراً كي لا يعلم القوم بقبرها، وذلك بوصية خاصة منها (ع) للتعبير عن سخطها على ظالميها.
مدة مكثها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله)
1ـ قال أبو الفرج الأصفهاني: وكانت وفاة فاطمة عليها السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بمدة يختلف في مبلغها، فالمكثر يقول بستة أشهر، والمقلل يقول أربعين يوماً، إلا أن الثابت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر(1).
2ـ ذكر العلامة المجلسي (ره) عين كلامه إلا أنه قال: فالمكثر يقول ثمانية أشهر. وأيضاً قال بعد قوله: (ثلاثة أشهر): حدثني بذلك الحسن بن علي، عن الحارث، عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام(2).
3ـ قال ثقة الإسلام الكليني (ره): ولدت فاطمة - عليها وعلى بعلها السلام - بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس سنين، وتوفيت عليها السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً، وبقيت بعد أبيها صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً. وقال (بحذف الإسناد) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرائيل فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك(3).
4ـ قال العلامة المقرم (ره): اختلف في وفاة الصديقة على أقوال: الأول - أنها بقيت بعد أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وهو المختار لأنه المشهور بين المؤرخين، وبه جاءت الرواية عن الصادق عليه السلام كما في (الكافي) للكليني، و(الاختصاص) للشيخ المفيد، و(معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني صلى الله عليه وآله وسلم ص 133. الثاني - بقيت أربعين يوماً، ذكره في (مروج الذهب) ج1، ص403، و(روضة الواعظين) ص130، و(كتاب سليم) ص203، ونسبه إلى الرواية في (كشف الغمة) ص149، وفي (تاريخ القرماني) هو الأصح. الثالث - توفيت لثلاث خلون من جمادى الآخرة، ذكره الكفعمي في (المصباح)، والشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) ص554، والسيد ابن طاووس في (الإقبال)، ورواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام كما في (البحار) ج10، ص1، وإليه يرجع ما في (مقاتل الطالبيين) ص19 من أن الثلاثة أشهر هو الثابت من رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام. الرابع - العشرون من جمادى الآخرة، ذكره في (دلائل الإمامة) ص46. الخامس - اثنان وسبعون، ذكره ابن شهر آشوب في (المناقب) ج2، ص112. السادس - مائة يوم، ذكره ابن قتيبة في (المعارف) ص62. السابع - ستون يوماً، رواه الشيخ هاشم في (مصباح الأنوار) عن أبي جعفر عليه السلام. الثامن - ستة أشهر، ذكره ابن حجر في (الإصابة) ترجمة فاطمة، وذكر فيها حديث الأربعة أشهر والثمانية أشهر. التاسع - خمسة وتسعون يوماً، نقله في (البحار) ج10، ص52، و(الإصابة) لابن حجر عن الدولابي في كتاب (الذرية الطاهرة). العاشر - ثلاث خلون من شهر رمضان، ذكره في (نور الأبصار) ص42، و(مناقب) الخوارزمي ج1، ص83، و(الإصابة) لابن حجر ج4، ص280(4).
5ـ قال العلامة المجلسي (ره): لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة والوفاة ومدة عمرها الشريف، ولا بين تواريخ الوفاة وبين ما مر في الخبر الصحيح أنها عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً إذ لو كان وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى، وما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السلام من كون مكثها بعده صلى الله عليه وآله ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة، ويدل عليه أيضاً ما مر من خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام برواية الطبري(5) بأن يكون عليه السلام لم يتعرض للأيام الزائدة لقلتها. والله أعلم(6).
علة شهادتها وكيفية استشهادها وتجهيزها (سلام الله عليها)
1ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث): وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل (أي عمر بن الخطاب) لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها(7)...
2 - وقال المحدث القمي (ره): وكان سبب وفاتها أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف(.
3 - أخذت فاطمة باب الدار ولزمتها عن ورائها، فمنعتهم عن الدخول، ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها سلام الله عليها، فسقط جنينها المحسن(9).
4 - حين ما جروا أمير المؤمنين مع حلس كان مستقراً عليه، لزمت فاطمة مع ما كان عليها من وجع القلب بطرف الحلس تجره ويجر القوم على خلافها... أخذ عمر عن خالد بن وليد سيفاً فجعل يضرب بغمده على كتفها حتى صارت مجروحة(10).
5ـ علة وفاة فاطمة أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاث مائة رجل على بيتها سلام الله عليها(11).
كيفية استشهادها (سلام الله عليها)
1ـ قالت لأم سلمة: اسكبي لي ماءً أغتسل به، فأتت به، فاغتسلت ولبست ثياباً طاهرة، وأمرتها أن تبسط فراشها بوسط الحجرة، فانضجعت على يمينها مستقبلة القبلة، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها(12).
2ـ في رواية أخرى: قالت لأسماء: اسكبي لي ماءً، واغتسلت به، ثم قالت: ناوليني ثيابي الجدد، فلبستها، ثم قالت: آتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه تحت رأسي، ثم اخرجي عني وانظريني هنيهة، فإني أريد أن أناجي ربي عز وجل. قالت أسماء: فخرجت عنها فسمعتها تناجي ربها، فدخلت عليها وهي لا تشعر بي، فرأيتها رافعة يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه إلي، وببعلي علي المرتضى وحزنه علي، وبالحسن المجتبى وبكائه علي، وبالحسين الشهيد وكآبته علي، وببناتي الفاطميات وتحسرهن علي، إنك ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد، وتدخلهم الجنة، إنك أكرم المسؤولين، وأرحم الراحمين(13).
3 - وقالت: انتظريني هنيهة ثم ادعني، فإن أجبتك وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي. قال الراوي: فانتظرتها أسماء هنيهة ثم نادتها، فلم تجبها، فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا. فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام. ثم شقت أسماء جيبها وخرجت، فتلقاها الحسن والحسين عليهما السلام فقالا: أين أمنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممدة، فحركها الحسين عليه السلام فإذا هي ميتة، فقال: يا أخاه آجرك الله في الوالدة. فوقع عليها الحسن عليه السلام يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلميني قبل أن يفارق روحي بدني. قالت: وأقبل الحسين عليه السلام يقبل رجليها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله انطلقا إلى أبيكما علي عليه السلام فأخبراه بموت أمكما. فخرجا يناديان يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا، ثم أخبرا علياً عليه السلام وهو في المسجد، فغشي عليه، حتى رش عليه الماء، ثم أفاق وكان عليه السلام يقول: بمن العزاء يا بنت محمد، كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ قال المسعودي: ولما قبضت عليها السلام جزع علي عليه السلام جزعاً شديداً، واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه، وقال في ذلك:
لكل اجتماع مـن خليلين فرقة وكل الذي دون الممات(14) قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحد(15) دليل على أن لا يدوم خـليل(16)
4ـ قال العلامة المقرم (ره): قالت أم سلمى زوجة أبي رافع: كنت أمرض فاطمة أيام شكاتها، فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها، فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت لي: يا أماه أعطيني ثيابي الجدد، فلبستها وأمرتني أن أقدم فراشها وسط البيت، ففعلت، فنامت عليه مستقبلة القبلة(17) وقالت: يا أماه إني مقبوضة الآن، فلا يكشفني أحد. تقول أسماء بنت عميس: لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيهة ثم ناديتها، فلم تجب، فناديت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجب، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة، صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء. فوقعت عليها أقبلها وأقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك صلى الله عليه وآله فأقرئيه مني السلام. فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة، فوقع الحسن يقبلها ويقول: يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني، والحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. ثم خرجا إلى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما، فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ وقال عليه السلام: اللهم إني راض عن ابنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، وهجرت فصلها، وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين. وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده. وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة، فخرج إليهم أبو ذر وقال: انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية. وأخذ أمير المؤمنين في غسلها، وعلله الإمام الصادق عليه السلام بأنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق، كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام. وقال عليه السلام: إن علياً أفاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً، وجعل في الخامسة شيئاً من الكافور، وكان يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك، وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها، وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين محمد صلى الله عليه وآله. وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ويا فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه إلي جبرائيل، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: اقسماه واعزلا منه لي ولكما، فقالت فاطمة: ثلثه لك، والباقي ينظر فيه علي عليه السلام. فبكى رسول الله وضمها إليه وقال: إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي، فقال: نصف منه لها، والنصف لمن ترى يا رسول الله، قال: هو لك. وكفنها في سبعة أثواب، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى: يا أم كلثوم، يا زينب، يا فضة، يا حسن، يا حسين، هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة. فأقبل الحسنان عليهما السلام يقولان: وا حسرتا لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا الزهراء، إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أشهد أنها حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء. فرفعهما عنها، وعقد الرداء عليها، وصلى عليها، ومعه الحسن والحسين وعقيل وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر، ودفنها في بيتها. ولما وضعها في اللحد قال: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله لك. ثم قرأ: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)(18). وفي حديث غيرنا: إن أمير المؤمنين لما أنزلها في القبر وسواه عليها، سألها الملكان من ربك؟ قالت: الله ربي، قالا: ومن نبيك؟ قالت: أبي محمد، قالا: ومن إمامك؟ قالت: هذا القائم على قبري علي. ثم إنه عليه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً، ولما عرف الشيوخ دفنها، وفي البقيع قبور جدد، أشكل عليهم الأمر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها ونصلي عليها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة، وبيده ذو الفقار، وهو يقسم بالله: لئن حول من القبور حجر ليضعن السيف فيهم، فتلقاه عمر ومعه أصحابه فقال له: ما لك والله يا أبا الحسن لننبشن قبرها ونصلي عليها. فأخذ أمير المؤمنين بمجامع ثوبه وضرب به الأرض وقال له: يا ابن السوداء أما حقي فتركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فو الذي نفسي بيده لئن حول منه حجر لأسقين الأرض من دمائكم. وجاء أبو بكر وأقسم عليه برسول الله أن يتركه، فخلى عنه، وتفرق الناس(19).
[/size][/right]تم جمع هذه المادة من مصادر مختلفة
فاطمة الزهراء (ع)
بطاقة الهوية:
الاسم: فاطمة الزهراء (ع).
اللقب: الزهراء.
الكنية: أم الأئمة.
اسم الأب: محمد بن عبد الله (ص).
اسم الأم: خديجة بنت خويلد.
الولادة: 20 جمادى الثانية عام 5 بعد البعثة.
الشهادة: 13 جمادى الأولى عام 11 هـ.
مكان الدفن: مجهول عند الناس.
حياة السيدة الزهراء (ع):
ولدت السيدة فاطمة الزهراء (ع) بعد مبعث الرسول (ص) بخمس سنين في بيت الطهارة والإيمان لتكون رمز المرأة المسلمة وسيدة نساء العالمين وأم الأئمة حيث كانت القطب الجامع بين النبوة والإمامة. فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.
طفولة فاطمة (ع):
نشأت فاطمة الزهراء (ع) في بيت النبوة ومهبط الرسالة فكان أبوها رسول الله (ص) يفيض عليها من معارفه الربانية والعلوم الإلهية.
وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الابنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد. ولم تكد تبلغ الخامسة من عمرها حتى توفيت أمها خديجة فكانت تلوذ بأبيها رسول الله (ص) الذي بات سلوتها الوحيدة فوجدت عنده كل ما تحتاجه من العطف والحنان والحب والاحترام. ووجد فيها قرة عينه وسلوت أحزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامه به كالأم الحنون حتى قال عنها: "فاطمة أم أبيها".
هجرة فاطمة (ع):
بعد أن غادر النبي (ص) مكة متوجهاً إلى المدينة لحق الإمام علي (ع) به ومعه الفواطم، ومنهم فاطمة الزهراء (ع)، وكان عمرها آنذاك سبع سنوات، فلحقوا جميعًا بالنبي (ص) الذي كان بانتظارهم ودخلوا المدينة معًا.
زواج فاطمة (ع) من علي (ع):
ما بلغت فاطمة الزهراء (ع) التاسعة من العمر حتى بدا عليها كل ملامح النضوج الفكري والرشد العقلي فتقدم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبي (ص) ولكنه كان يردهم بلطف معتذراً بأن أمرها إلى ربها.
وخطبها علي (ع) فوافق النبي (ص) ووافقت فاطمة وتمّ الزواج على مهر قدره خمسمائة درهم، فباع علي درعه لتأمين هذا المهر ولتأثيث البيت الذي سيضمهما فكان أن بسط أرض الحجرة بالرمل ونصب عوداً لتُعلق به القربة واشترى جرةً وكوزًا، وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدة من ليف.
لقد كان هذا البيت المتواضع غنياً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الإيمانية العالية فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الألفة والوئام والحب والاحترام حتى قال علي (ع) يصف حياتهما معاً.
فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وقد كانا قد تقاسما العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. وقد أثمر هذا الزواج ثماراً طيبة، الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
تعلق رسول الله (ص) بابنته فاطمة (ع) تعلقًا خاصًا لما كان يراه فيها من وعي وتقوى وإخلاص فأحبها حباً شديداً إلى درجة أنه كان لا يصبر على البعد عنها، فقد كان إذا أراد السفر جعلها آخر من يودع وإذا قدم من السفر جعلها أول من يلقى.
وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبلها بل ربما قبل يدها. وكان (ص) يقول: "فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".
ومع ذلك فقد جاءته يومًا تشكو إليه ضعفها وتعبها في القيام بعمل المنزل وتربية الأولاد وتطلب منه أن يهب لها جارية تخدمها. ولكنه قال لها: أعطيك ما هو خيرٌ من ذلك، وعلمها تسبيحة خاصة تستحب بعد كل صلاة وهي التكبير أربعًا وثلاثين مرة والتحميد ثلاثًا وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثًا وثلاثين مرة وهذه التسبيحة عرفت فيما بعد بتسبيحة الزهراء.
هكذا يكون البيت النبوي، لا يقيم للأمور المادية وزناً، ويبقى تعلقه قوياً بالأمور المعنوية ذات البعد الروحي والأخروي.
فاطمة العالمة العابدة:
لقد تميزت السيدة الزهراء بمستواها العلمي العميق من خلال اهتمامها بجمع القرآن وتفسيره والتعليق بخطها على هامش آياته المباركة حتى صار عندها مصحف عُرف بمصحف فاطمة (ع). وقد برزت علومها الإلهية في الخطبة الشهيرة التي ألقتها في مسجد النبي (ص) بحضور المهاجرين والأنصار مطالبة بحقها في فدك حيث ظن بعض من سمعها أن رسول الله(ص) بعث من جديد لبلاغتها وفصاحتها وبعد مراميها وعمق فهمها للإسلام وأحكامه.
كل ذلك دعاها لتكون العابدة المتهجدة الناسكة الزاهدة الورعة حيث كانت تقوم في الليل حتى تتورّم قدماها ثم تدعو لجيرانها ثم لعموم المؤمنين قبل أن تدعو لنفسها حتى عُرف عنها أنها "محدَّثة" أي كانت تأتيها الملائكة فتحدثها.
فاطمة بعد النبي (ص):
عندما حضرت رسول الله (ص) الوفاة أسرَّ إليها بكلمة فبكت، ثم أسرّ إليها بكلمة فضحكت فسألها البعض عن ذلك بعد وفاة النبي (ص) فقالت: أخبرني أنه راحل عن قريب فبكيت ثم أخبرني إني أول الناس لحاقا به فضحكت.
ولم يكد جثمان رسول الله (ص) يغيب في الثرى حتى بدأت مظلومية الزهراء تتعاظم فقد اغتصب حق بعلها بالخلافة ثم اغتصب حقها في فدك، وهي قرية كان النبي (ص) قد وهبها لها في حياته. ولم يراعِ القومُ في ذلك مقامها ومنزلتها عند النبي ولم يحفظوا فيها وصيته فاشتد حزنها على فراق أبيها ومظلوميَّة بعلها فكثر بكاؤها حتى ماتت حزنًا وكمداً بعد خمسٍ وسبعين يوماً من وفاة والدها (ص) فدفنها علي (ع) سراً كي لا يعلم القوم بقبرها، وذلك بوصية خاصة منها (ع) للتعبير عن سخطها على ظالميها.
مدة مكثها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله)
1ـ قال أبو الفرج الأصفهاني: وكانت وفاة فاطمة عليها السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بمدة يختلف في مبلغها، فالمكثر يقول بستة أشهر، والمقلل يقول أربعين يوماً، إلا أن الثابت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر(1).
2ـ ذكر العلامة المجلسي (ره) عين كلامه إلا أنه قال: فالمكثر يقول ثمانية أشهر. وأيضاً قال بعد قوله: (ثلاثة أشهر): حدثني بذلك الحسن بن علي، عن الحارث، عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام(2).
3ـ قال ثقة الإسلام الكليني (ره): ولدت فاطمة - عليها وعلى بعلها السلام - بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس سنين، وتوفيت عليها السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً، وبقيت بعد أبيها صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً. وقال (بحذف الإسناد) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرائيل فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك(3).
4ـ قال العلامة المقرم (ره): اختلف في وفاة الصديقة على أقوال: الأول - أنها بقيت بعد أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وهو المختار لأنه المشهور بين المؤرخين، وبه جاءت الرواية عن الصادق عليه السلام كما في (الكافي) للكليني، و(الاختصاص) للشيخ المفيد، و(معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني صلى الله عليه وآله وسلم ص 133. الثاني - بقيت أربعين يوماً، ذكره في (مروج الذهب) ج1، ص403، و(روضة الواعظين) ص130، و(كتاب سليم) ص203، ونسبه إلى الرواية في (كشف الغمة) ص149، وفي (تاريخ القرماني) هو الأصح. الثالث - توفيت لثلاث خلون من جمادى الآخرة، ذكره الكفعمي في (المصباح)، والشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) ص554، والسيد ابن طاووس في (الإقبال)، ورواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام كما في (البحار) ج10، ص1، وإليه يرجع ما في (مقاتل الطالبيين) ص19 من أن الثلاثة أشهر هو الثابت من رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام. الرابع - العشرون من جمادى الآخرة، ذكره في (دلائل الإمامة) ص46. الخامس - اثنان وسبعون، ذكره ابن شهر آشوب في (المناقب) ج2، ص112. السادس - مائة يوم، ذكره ابن قتيبة في (المعارف) ص62. السابع - ستون يوماً، رواه الشيخ هاشم في (مصباح الأنوار) عن أبي جعفر عليه السلام. الثامن - ستة أشهر، ذكره ابن حجر في (الإصابة) ترجمة فاطمة، وذكر فيها حديث الأربعة أشهر والثمانية أشهر. التاسع - خمسة وتسعون يوماً، نقله في (البحار) ج10، ص52، و(الإصابة) لابن حجر عن الدولابي في كتاب (الذرية الطاهرة). العاشر - ثلاث خلون من شهر رمضان، ذكره في (نور الأبصار) ص42، و(مناقب) الخوارزمي ج1، ص83، و(الإصابة) لابن حجر ج4، ص280(4).
5ـ قال العلامة المجلسي (ره): لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة والوفاة ومدة عمرها الشريف، ولا بين تواريخ الوفاة وبين ما مر في الخبر الصحيح أنها عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً إذ لو كان وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى، وما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السلام من كون مكثها بعده صلى الله عليه وآله ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة، ويدل عليه أيضاً ما مر من خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام برواية الطبري(5) بأن يكون عليه السلام لم يتعرض للأيام الزائدة لقلتها. والله أعلم(6).
علة شهادتها وكيفية استشهادها وتجهيزها (سلام الله عليها)
1ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث): وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل (أي عمر بن الخطاب) لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها(7)...
2 - وقال المحدث القمي (ره): وكان سبب وفاتها أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف(.
3 - أخذت فاطمة باب الدار ولزمتها عن ورائها، فمنعتهم عن الدخول، ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها سلام الله عليها، فسقط جنينها المحسن(9).
4 - حين ما جروا أمير المؤمنين مع حلس كان مستقراً عليه، لزمت فاطمة مع ما كان عليها من وجع القلب بطرف الحلس تجره ويجر القوم على خلافها... أخذ عمر عن خالد بن وليد سيفاً فجعل يضرب بغمده على كتفها حتى صارت مجروحة(10).
5ـ علة وفاة فاطمة أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاث مائة رجل على بيتها سلام الله عليها(11).
كيفية استشهادها (سلام الله عليها)
1ـ قالت لأم سلمة: اسكبي لي ماءً أغتسل به، فأتت به، فاغتسلت ولبست ثياباً طاهرة، وأمرتها أن تبسط فراشها بوسط الحجرة، فانضجعت على يمينها مستقبلة القبلة، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها(12).
2ـ في رواية أخرى: قالت لأسماء: اسكبي لي ماءً، واغتسلت به، ثم قالت: ناوليني ثيابي الجدد، فلبستها، ثم قالت: آتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه تحت رأسي، ثم اخرجي عني وانظريني هنيهة، فإني أريد أن أناجي ربي عز وجل. قالت أسماء: فخرجت عنها فسمعتها تناجي ربها، فدخلت عليها وهي لا تشعر بي، فرأيتها رافعة يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه إلي، وببعلي علي المرتضى وحزنه علي، وبالحسن المجتبى وبكائه علي، وبالحسين الشهيد وكآبته علي، وببناتي الفاطميات وتحسرهن علي، إنك ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد، وتدخلهم الجنة، إنك أكرم المسؤولين، وأرحم الراحمين(13).
3 - وقالت: انتظريني هنيهة ثم ادعني، فإن أجبتك وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي. قال الراوي: فانتظرتها أسماء هنيهة ثم نادتها، فلم تجبها، فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا. فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام. ثم شقت أسماء جيبها وخرجت، فتلقاها الحسن والحسين عليهما السلام فقالا: أين أمنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممدة، فحركها الحسين عليه السلام فإذا هي ميتة، فقال: يا أخاه آجرك الله في الوالدة. فوقع عليها الحسن عليه السلام يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلميني قبل أن يفارق روحي بدني. قالت: وأقبل الحسين عليه السلام يقبل رجليها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله انطلقا إلى أبيكما علي عليه السلام فأخبراه بموت أمكما. فخرجا يناديان يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا، ثم أخبرا علياً عليه السلام وهو في المسجد، فغشي عليه، حتى رش عليه الماء، ثم أفاق وكان عليه السلام يقول: بمن العزاء يا بنت محمد، كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ قال المسعودي: ولما قبضت عليها السلام جزع علي عليه السلام جزعاً شديداً، واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه، وقال في ذلك:
لكل اجتماع مـن خليلين فرقة وكل الذي دون الممات(14) قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحد(15) دليل على أن لا يدوم خـليل(16)
4ـ قال العلامة المقرم (ره): قالت أم سلمى زوجة أبي رافع: كنت أمرض فاطمة أيام شكاتها، فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها، فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت لي: يا أماه أعطيني ثيابي الجدد، فلبستها وأمرتني أن أقدم فراشها وسط البيت، ففعلت، فنامت عليه مستقبلة القبلة(17) وقالت: يا أماه إني مقبوضة الآن، فلا يكشفني أحد. تقول أسماء بنت عميس: لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيهة ثم ناديتها، فلم تجب، فناديت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجب، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة، صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء. فوقعت عليها أقبلها وأقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك صلى الله عليه وآله فأقرئيه مني السلام. فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة، فوقع الحسن يقبلها ويقول: يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني، والحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. ثم خرجا إلى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما، فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ وقال عليه السلام: اللهم إني راض عن ابنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، وهجرت فصلها، وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين. وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده. وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة، فخرج إليهم أبو ذر وقال: انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية. وأخذ أمير المؤمنين في غسلها، وعلله الإمام الصادق عليه السلام بأنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق، كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام. وقال عليه السلام: إن علياً أفاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً، وجعل في الخامسة شيئاً من الكافور، وكان يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك، وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها، وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين محمد صلى الله عليه وآله. وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ويا فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه إلي جبرائيل، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: اقسماه واعزلا منه لي ولكما، فقالت فاطمة: ثلثه لك، والباقي ينظر فيه علي عليه السلام. فبكى رسول الله وضمها إليه وقال: إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي، فقال: نصف منه لها، والنصف لمن ترى يا رسول الله، قال: هو لك. وكفنها في سبعة أثواب، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى: يا أم كلثوم، يا زينب، يا فضة، يا حسن، يا حسين، هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة. فأقبل الحسنان عليهما السلام يقولان: وا حسرتا لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا الزهراء، إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أشهد أنها حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء. فرفعهما عنها، وعقد الرداء عليها، وصلى عليها، ومعه الحسن والحسين وعقيل وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر، ودفنها في بيتها. ولما وضعها في اللحد قال: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله لك. ثم قرأ: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)(18). وفي حديث غيرنا: إن أمير المؤمنين لما أنزلها في القبر وسواه عليها، سألها الملكان من ربك؟ قالت: الله ربي، قالا: ومن نبيك؟ قالت: أبي محمد، قالا: ومن إمامك؟ قالت: هذا القائم على قبري علي. ثم إنه عليه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً، ولما عرف الشيوخ دفنها، وفي البقيع قبور جدد، أشكل عليهم الأمر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها ونصلي عليها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة، وبيده ذو الفقار، وهو يقسم بالله: لئن حول من القبور حجر ليضعن السيف فيهم، فتلقاه عمر ومعه أصحابه فقال له: ما لك والله يا أبا الحسن لننبشن قبرها ونصلي عليها. فأخذ أمير المؤمنين بمجامع ثوبه وضرب به الأرض وقال له: يا ابن السوداء أما حقي فتركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فو الذي نفسي بيده لئن حول منه حجر لأسقين الأرض من دمائكم. وجاء أبو بكر وأقسم عليه برسول الله أن يتركه، فخلى عنه، وتفرق الناس(19).
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى