عندما واجه امبر المومنبن قاتله

على الوتر‮ - ‬لميس ضيف



عندما واجه‮ ‬
أمير المؤمنين قاتله‮..‬

وفاة أمير المؤمنين الإمام علي‮ (‬ع‮) ‬التي‮ ‬تمر بنا اليوم هي‮ ‬ذكرى ودرس في‮ ‬ماهية الحياة والخير والشر‮.. ‬مناسبة عظيمة سنحييها اليوم بسرد تفاصيل ساعاته الأخيرة المليئة بالصور والعبر والحكم‮.. ‬
ففي‮ ‬الليلة التاسعة عشرة من رمضان أفطر أمير المؤمنين وخليفتهم الإمام علي‮ (‬ع‮) ‬في‮ ‬دار ابنته أم كلثوم بقرص من شعير ورشة ملح،‮ ‬ثم قام إلى الصلاة،‮ ‬ولم‮ ‬يزل راكعاً‮ ‬وساجداً‮ ‬متضرعاً‮ ‬إلى الله تعالى حتى ذهب بعض الليل فأغمضت عيناه وهو جالس،‮ ‬فانتبه من نومته ليقول لأولاده‮: ‬لقد رأيت رسول الله‮ (‬ص‮) ‬في‮ ‬منامي‮ ‬وهو‮ ‬يقول لي‮: ‬يا علي‮ ‬عملت تكليفيك،‮ ‬وأنا والله مشتاق إليك،‮ ‬وإنك عندنا في‮ ‬العشر الآخر من شهر رمضان‮.. ‬
فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب،‮ ‬فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا،‮ ‬وأقبل عليهم‮ ‬يوصيهم ويأمرهم بالخير والمعروف‮..‬
ليلتها‮.. ‬كان عبدالرحمن بن ملجم بائتاً‮ ‬في‮ ‬المسجد منتظراً‮ ‬مجيء الإمام للصلاة لقتله‮. ‬وكانت جريمته تلك مهر قطام‮.. ‬المرأة التي‮ ‬وقع في‮ ‬غرامها وجعلت شرطها قتل الإمام انتقاما لأبيها وزوجها اللذين قتلا في‮ ‬غزوة النهروان‮.‬
فلما كان الفجر دخل أمير المؤمنين المسجد وصعد للمئذنة فأذن بالناس‮.. ‬ثم أخذ‮ ‬يتـفـقـد النائمين في‮ ‬المسجد ويوقظهم فلم‮ ‬يزل‮ ‬يفعل ذلك حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم وقد أخفى سيفه تحت إزاره،‮ ‬فنظر في‮ ‬عينيه وقال له‮ »‬لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن‮ ‬يتفطرن منه،‮ ‬ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك‮« ‬ثم تركه واتجه إلى المحراب،‮ ‬وقام‮ ‬يصلي،‮ ‬فأمهل المجرم الإمام حتى سجد السجدة الأولى فما أن رفع رأسه حتى عاجله بضربه على رأسه الشريف،‮ ‬فوقع الإمام وهو‮ ‬يقول‮: ‬بسم الله وعلى ملة رسول الله،‮ ‬قتـلني‮ ‬ابن ملجم‮.. ‬
مخبراً‮ ‬بذلك الناس عن قاتله كيلا تقوم فتنة أو‮ ‬يُقتل بجرمه بريء‮.. ‬
ورغم أن الدماء قد خضبت لحيته الكريمة‮.. ‬فقد أمر الحسن‮ (‬ع‮) ‬بالصلاة بالناس،‮ ‬وهو‮ ‬يمسح الدم عن وجهه وكريمته‮.. ‬ولم‮ ‬يزل‮ ‬يسبح الله ويحمده‮.. ‬حتى اقبل الناس بابن ملجم مكتوفاً‮ ‬ينهشون لحمه بأسنانهم‮. ‬
فلما جاءوا به أوقفوه بين‮ ‬يدي‮ ‬أمير المؤمنين ففتح عينيه ونظر إليه وقال‮: ‬يا هذا لقد جئت عظيماً‮ ‬وخطباً‮ ‬جسيماً،‮ ‬أبئس الإمام كنت لك حتى جازيتني‮ ‬بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقاً‮ ‬عليك وأحسنت إليك وزدت في‮ ‬عطائك؟ وقد كنت أعلم أنك قاتلي‮ ‬لا محالة ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك فغلبت عليك الشقاوة فـقتـلـتـني‮.. ‬فدمعت عينا ابن ملجم وقال‮: ‬يا أمير المؤمنين أفأنت تنقذ من في‮ ‬النار‮..‬
عندئذ وصى الإمام على رؤوس الأشهاد بالإحسان له ومعاملته كأسير،‮ ‬فإن مات فقصاصه ضربه واحدة ولا‮ ‬يمثل بجثته أحد‮..‬
وكانت آخر وصاياه لأبنائه والمؤمنين قوله عليه السلام‮:‬
‮»‬أوصيكما وجميع أهلي‮ ‬ومن بلغه كتابي‮ ‬بتقوى الله،‮ ‬ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم‮.. ‬الله الله في‮ ‬الأيتام‮.. ‬الله الله في‮ ‬جيرانكم،‮ ‬والله الله في‮ ‬القرآن،‮ ‬لا‮ ‬يسبقكم بالعمل به‮ ‬غيركم،‮ ‬والله الله في‮ ‬الصلاة فإنها عمود دينكم،‮ ‬والله الله في‮ ‬الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في‮ ‬سبيل الله‮. ‬ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر،‮ ‬فيولّى عليكم شراركم فتدعون فلا‮ ‬يُستجاب لكم‮«.‬